للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ، وَلَا يَضْطَبِعُ فِي السَّعْيِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْطَبِعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّوَافَيْنِ، فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَضْطَبِعْ فِيهِ، وَالسُّنَّةُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئًا. وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا عُقِلَ مَعْنَاهُ، وَهَذَا تَعَبُّدٌ مَحْضٌ.

[مَسْأَلَة يُرَمَّل ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيُمْشَى أَرْبَعَةً]

(٢٤٥٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) مَعْنَى الرَّمَلِ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الْخَطْوِ مِنْ غَيْرِ وَثْبٍ. وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا. وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا» . رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَحَادِيثُهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، إذْ قَدْ نَفَى اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّ الْحُكْمَ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ عِلَّتِهِ؟ قُلْنَا: قَدْ رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، وَاضْطَبَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَثَبَتَ أَنَّهَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَجِّهِ» وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، فِي (الْمُسْنَدِ) . وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ عُمَرَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الرَّمَلَ سُنَّةٌ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ بِكَمَالِهَا، يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ، لَا يَمْشِي فِي شَيْءٍ مِنْهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَمْشِي مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالُوا، فَلَمَّا قَدِمُوا قَعَدَ الْمُشْرِكُونَ مِمَّا يَلِي الْحِجْرِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ» . وَفِي مُسْلِمٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>