وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ بِزِنًى وَاحِدٍ أَوْ بِاثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ أَنْ يُعَيِّنَ الْجَمِيعُ وَقْتًا وَاحِدًا، لَا يُمْكِنُ زِنَاهُ فِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَاثْنَانِ مِنْهُمْ كَاذِبَانِ يَقِينًا، وَاثْنَانِ مِنْهُمْ لَوْ خَلَوْا عَنْ الْمُعَارَضَةِ لِشَهَادَتِهِمْ، لَكَانَا قَاذِفَيْنِ، فَمَعَ التَّعَارُضِ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ بِفِعْلَيْنِ، كَانُوا قَذَفَةً، كَمَا لَوْ عَيَّنُوا فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ زَنَى مَرَّةً أُخْرَى. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْل يَشْهَدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِأُخْرَى]
(٨٤٤٦) فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى فِعْلَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِأُخْرَى، أَوْ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي يَوْمٍ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي آخَرَ، أَوْ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا لَيْلًا، وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا نَهَارًا، أَوْ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا غَدْوَةً، وَيَشْهَدُ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا عَشِيًّا، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
فَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ أُخْرَى، وَكَانَتَا مُتَبَاعِدَتَيْنِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا مَكَانَانِ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فِيهِمَا، وَلَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا، فَأَشْبَهَا الْبَيْتَيْنِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتَا مُتَقَارِبَتَيْنِ، تُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لِقُرْبِهِ مِنْهَا، كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ جَمِيعًا.
[فَصْل كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ فَاخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي زَمَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ]
(٨٤٤٧) فَصْلٌ: وَمَتَى كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ، فَاخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي زَمَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ، أَوْ صِفَةٍ لَهُ تَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ، لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمَا، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ بِدِمَشْقَ، وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ بِمِصْرَ، أَوْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دِينَارًا، وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا، فَلَا تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ شَاهِدَانِ. وَهَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي زَمَنِ الْقَتْلِ، أَوْ مَكَانِهِ، أَوْ صِفَتِهِ، أَوْ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ الْقَذْفِ، لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، فَلَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يُقْبَلْ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلُ.
وَيَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْفِعْلِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَسْوَدَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْكِيسَ غَدْوَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيًّا، لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكْمُلْ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute