للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْقُرْآنَ ثَبَتَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ، وَهَذِهِ لَمْ يَثْبُتْ التَّوَاتُرُ بِهَا، فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهَا قُرْآنًا، فَإِنْ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِمَّا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَاتَّصَلَ إسْنَادُهَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِقِرَاءَتِهِمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةً بِغَيْرِ شَكٍّ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ وَهِشَامَ ابْنَ حَكِيمٍ حِينَ اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «اقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ» . وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَبْلَ جَمْعِ عُثْمَانَ الْمُصْحَفَ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَاتٍ لَمْ يُثْبِتْهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَيُصَلُّونَ بِهَا، لَا يَرَى أَحَدٌ مِنْهُمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ، وَلَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِمْ بِهِ

[فَصْلٌ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا فِي الصَّلَاة]

(٦٨٤) فَصْلٌ: وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. نَقَلَهَا عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُخْرُجْ، فَنَادِ فِي الْمَدِينَةِ، أَنَّهُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الزِّيَادَةُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، آخِرَ آلِ عِمْرَانَ وَآخِرَ الْفُرْقَانِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْفَرِيضَةِ مِنْ السُّورَةِ بَعْضَهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَقْرَأُ فِي سُورَةٍ أُخْرَى.

وَقَوْلُ أَبِي بَرْزَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ مِنْ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْتَصِرُ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُكْرَهُ ذَلِكَ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ بِآخِرِ سُورَةٍ. وَقَالَ: سُورَةٌ أَعْجَبُ إلَيَّ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَكَانَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَرَابَةٌ يُصَلِّي بِهِ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَجْرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ. فَقُلْت لَهُ: هَذَا يُصَلِّي بِك مُنْذُ كَمْ، قَالَ: دَعْنَا مِنْهُ، يَجِيءُ بِآخِرِ السُّوَرِ. وَكَرِهَهُ وَلَعَلَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَحَبَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ. وَكَرِهَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةُ السُّورَةِ أَوْ بَعْضِ سُورَةٍ مِنْ أَوَّلِهَا، فَأَعْجَبَهُ مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يُعْجِبْهُ مُخَالَفَتُهُ.

وَنُقِلَ عَنْهُ، فِي الرَّجُلِ يَقْرَأُ مِنْ أَوْسَطِ السُّوَرِ وَآخِرِهَا، فَقَالَ: أَمَّا آخِرُ السُّوَرِ فَأَرْجُو، وَأَمَّا أَوْسَطُهَا فَلَا وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ فِي آخِرِ السُّورَةِ، إلَى مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ. وَلَمْ يُنْقَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَوْسَطِهَا. وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَقْرَأُ آخِرَ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ فِي هَذَا رُخْصَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَغَيْرِهِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>