(١٤٩٩) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ الصَّبِيُّ يُسْتَرُ كَمَا يُسْتَرُ الْكَبِيرُ، أَعْنِي الصَّبِيَّ الْمَيِّتَ فِي الْغُسْلِ. قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يُسْتَرُ مِنْهُ، وَلَيْسَتْ عَوْرَتُهُ بِعَوْرَةٍ وَيُغَسِّلُهُ النِّسَاءُ؟
[مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبّ أَنْ يَغْسِل الْمَيِّت فِي بَيْت وَلَا يُحَضِّرهُ إلَّا مِنْ يُعِين فِي أَمَرَهُ]
(١٥٠٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ لَا يُغَسَّلَ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا مَنْ يُعِينُ فِي أَمْرِهِ، مَا دَامَ يُغَسَّلُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُغَسَّلَ فِي بَيْتٍ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ مُظْلِمًا. وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سِتْرًا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّخَعِيُّ يُحِبُّ أَنْ يُغَسَّلَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سُتْرَةٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ؛ قَالَ: أَوْصَى الضَّحَّاكُ أَخَاهُ سَالِمًا، قَالَ: إذَا غَسَّلْتنِي فَاجْعَلْ حَوْلِي سِتْرًا، وَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَ السَّمَاءِ سِتْرًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَجَعَلْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّقْفِ سِتْرًا» .
قَالَ: وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ السَّمَاءَ بِعَوْرَتِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَنْ لَا يُعِينُ فِي أَمْرِهِ، لِأَنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِينَ غَضُّ أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِالْمَيِّتِ عَيْبٌ يَكْتُمُهُ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَرُبَّمَا حَدَثَ مِنْهُ أَمْرٌ يَكْرَهُ الْحَيُّ أَنْ يُطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهِ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ هُوَ فِي الظَّاهِرِ مُنْكَرٌ فَيُحَدَّثُ بِهِ، فَيَكُونُ فَضِيحَةً لَهُ، وَرُبَّمَا بَدَتْ عَوْرَتُهُ فَشَاهَدَهَا، وَلِهَذَا أَحْبَبْنَا أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ ثِقَةً أَمِينًا صَالِحًا؛ لِيَسْتُرَ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، ثُمَّ لَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا.
وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . وَقَالَ: «لِيَلِهِ أَقْرَبُكُمْ مِنْهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَمَنْ تَرَوْنَ أَنَّ عِنْدَهُ حَظًّا مِنْ وَرَعٍ وَأَمَانَةٍ» .
وَقَالَ الْقَاضِي: لِوَلِيِّهِ أَنْ يَدْخُلَ كَيْفَ شَاءَ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ عَامٌّ فِي الْمَنْعِ، وَلَعَلَّهُ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute