قَالَ الثَّوْرِيُّ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْعَقْدِ، وَلَا بَيِّنَةَ، فَيَتَحَالَفَانِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ، تَحَالَفَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ فِي التَّحَالُفِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِأَنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ، فَقَدْ رَضِيَتْ بِأَمَانَتِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَعَلَى الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ كَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّحَالُفِ يُفْضِي إلَى إيجَابِ أَكْثَرِ مِمَّا يَدَّعِيهِ أَوْ أَقَلِّ مِمَّا يُقِرُّ لَهَا بِهِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةً فَادَّعَتْ ثَمَانِينَ وَقَالَ: بَلْ هُوَ خَمْسُونَ أَوْجَبَ لَهَا عِشْرِينَ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
وَلَوْ ادَّعَتْ مِائَتَيْنِ، وَقَالَ: بَلْ هُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ، فَأَوْجَبَ مِائَةً لَأَسْقَطَ خَمْسِينَ يَتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِهَا. وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا، لَمْ يَجُزْ إيجَابُهُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا، فَلَا حَاجَةَ فِي إيجَابِهِ إلَى يَمِينِ مَنْ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي إيجَابِهِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ.
وَمَا ادَّعَاهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا اسْتَأْمَنَتْهُ، لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَجْعَلْهُ أَمِينَهَا، وَلَوْ كَانَ أَمِينًا لَهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً لَهُ، حِينَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَدَمُ الْإِشْهَادِ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَتَمُوتُ أَوْ تَغِيبُ أَوْ تَنْسَى الشَّهَادَةَ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَكُلُّ مَنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَهُوَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِيمَا يَجُوزُ بَذْلُهُ، تُشْرَعُ فِيهِ الْيَمِينُ، كَسَائِرِ الدَّعَاوَى فِي الْأَمْوَالِ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي، أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُشْرَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي النِّكَاحِ.
[فَصْلٌ ادَّعَى أَقَلّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَتْ هِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ]
(٥٥٩٢) فَصْلٌ: فَإِنْ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَادَّعَتْ هِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ رُدَّ، إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا يَمِينًا. وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَالَفَا؛ فَإِنَّ مَا يَقُولُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلصِّحَّةِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِيَمِينِ مِنْ صَاحِبِهِ، كَالْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي عَدَمِ الظُّهُورِ، فَيُشْرَعُ التَّحَالُفُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْبَاقُونَ عَلَى أُصُولِهِمْ.
[فَصْلٌ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ]
(٥٥٩٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ. فَقَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ. وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَهْرَ الْمِثْلِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَقِيمَةُ الْأَمَةِ فَوْقَ ذَلِكَ، حَلَفَ الزَّوْجُ وَوَجَبَتْ لَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُوَافِقُ الظَّاهِرَ، وَلَا تَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute