للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لَا يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ]

(٦٢٨٦) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ بِمَكَانٍ، وَلَا زَمَانٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْأَمْرَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الرَّجُلَ بِإِحْضَارِ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَخُصّهُ بِزَمَنٍ، وَلَوْ خَصَّهُ بِذَلِكَ لَنُقِلَ وَلَمْ يُهْمَلْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَلَاعَنَا فِي الْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تُعَظَّمُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ فِي التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ التَّغْلِيظَ بِهِ مُسْتَحَبُّ كَالزَّمَانِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِلِّعَانِ.

وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ، أَنَّهُمَا إذَا كَانَا بِمَكَّةَ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَإِنَّهُ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَعِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَنَدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فِي جَوَامِعِهَا. وَأَمَّا الزَّمَانُ فَبَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] . وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَيْنَهُمَا لَا يُرَدُّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فَعَلَهُ لَنُقِلَ، وَلَمْ يَسُغْ تَرْكُهُ وَإِهْمَالُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ. فَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ. وَإِنْ ثَبَتَ هَذَا، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَهُ كَانَ عِنْدَهُ، فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ. وَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ بَيْنَ كَافِرَيْنِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُغَلَّظَ فِي الْمَكَانِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْأَيْمَانِ: وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَوَاضِعُ يُعَظِّمُونَهَا، وَيَتَوَقَّوْنَ أَنْ يَحْلِفُوا فِيهَا كَاذِبِينَ، حُلِّفُوا فِيهَا. فَعَلَى هَذَا، يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا فِي مَوَاضِعِهِمْ اللَّاتِي يُعَظِّمُونَهَا؛ النَّصْرَانِيُّ فِي الْكَنِيسَةِ، وَالْيَهُودِيُّ فِي الْبِيعَةِ وَالْمَجُوسِيُّ فِي بَيْتِ النَّارِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَوَاضِعُ يُعَظِّمُونَهَا، حَلَّفَهُمْ الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِهِ؛ لِتَعَذُّرِ التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ حَائِضًا، وَقُلْنَا: إنَّ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَفَتْ عَلَى بَابِهِ، وَلَمْ تَدْخُلْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ.

(٦٢٨٧) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي أَلْفَاظِ اللِّعَانِ وَصِفَتِهِ، أَمَّا أَلْفَاظُهُ فَهِيَ خَمْسَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَصِفَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالزَّوْجِ، فَيُقِيمُهُ، لَهُ: وَيَقُولُ لَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>