للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَكَانَ لَازِمًا، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ كَمَا اخْتَصَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ بِاسْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي فَسْخُهَا لِعُذْرٍ فِي نَفْسِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ جَمَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ، فَيَمْرَضَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ، أَوْ تَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ يَكْتَرِيَ دُكَّانًا لِلْبَزِّ، فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، فَمَلَكَ بِهِ الْفَسْخَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَأَبَقَ

وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فَسْخُهُ لِعُذْرِ الْمُكْتَرِي، لَجَازَ لِعُذْرِ الْمُكْرِي، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ ثَمَّ، فَلَا يَجُوزُ هَا هُنَا، وَيُفَارِقُ الْإِبَاقَ، فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَة اسْتَأْجَرَ عَقَارًا مُدَّةً بِعَيْنِهَا]

(٤١٧٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا مُدَّةً بِعَيْنِهَا، فَبَادَلَهُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا، فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأَجْرَ، وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَنَافِعَ، فَإِذَا فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا، وَتَرَكَ الِانْتِفَاعَ اخْتِيَارًا مِنْهُ، لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَالْأَجْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ الْمَنَافِعِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ اكْتَرَى بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ لَهُ: فَاسِخْنِي. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قَدْ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ. قُلْت: فَإِنْ مَرِضَ الْمُسْتَكْرِي بِالْمَدِينَةِ؟ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَسْخًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلَمْ يَمْلِكْ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخَهُ. وَإِنْ فَسَخَهُ، لَمْ يَسْقُطْ الْعِوَضُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ.

[فَصْلٌ إبَاحَةِ إجَارَةِ الْعَقَار]

(٤١٧٣) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إبَاحَةِ إجَارَةِ الْعَقَارِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْمَنَازِلِ وَالدَّوَابِّ جَائِزٌ. وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا إلَّا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَتَحْدِيدِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ، وَلَا وَصْفُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا ضُبِطَ بِالصِّفَةِ، أَجْزَأَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي: لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ

وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ هَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالرُّؤْيَةِ، كَمَا لَا يُعْلَمُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا، احْتَاجَ إلَى مُشَاهَدَةِ الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِصِغَرِهَا وَكِبَرِهَا وَمَرَافِقِهَا، وَمُشَاهَدَةِ قَدْرِ الْحَمَّامِ لِيَعْلَمَ كِبَرَهَا مِنْ صِغَرِهَا، وَمَعْرِفَةِ مَاءِ الْحَمَّامِ إمَّا مِنْ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بِئْرٍ احْتَاجَ إلَى مُشَاهَدَتِهَا؛ لِيَعْلَمَ عُمْقَهَا وَمُؤْنَةَ اسْتِسْقَاءِ الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>