قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ. وَرَخَّصَ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، وَلَا يُذَاكِرَ فِي الْفِقْهِ، وَلَا يُصَلِّيَ، وَلَا يَجْلِسَ فِي حَلْقَةٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ لَهُ الْمُذَاكَرَةَ فِي الْفِقْهِ، وَصَلَاةَ النَّافِلَةِ. وَلَنَا، عُمُومُ مَا رَوَيْنَاهُ، وَأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْحَلْقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ مَنَعَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ السَّمَاعِ، فَيَكُونُ مُؤْذِيًا لَهُ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ إثْمُ مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ، وَصَدَّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ أَحَدًا، فَلَا بَأْسَ.
وَهَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَوْ الْإِنْصَاتُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، الْإِنْصَاتُ أَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَوْلِ عُثْمَانَ. وَالثَّانِي، الذِّكْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَكَانَ أَفْضَلَ، كَمَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
[فَصْلٌ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ وَلَا عَلَى مَنْ سَأَلَهُ الْخَطِيبُ]
(١٣٢٦) فَصْلٌ: وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَأَلَهُ الْخَطِيبُ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ سُلَيْكًا الدَّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ. قَالَ عُمَرُ: الْوُضُوءَ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ عِلَّتُهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنْ الْإِنْصَاتِ الْوَاجِبِ، وَسَمَاعِ الْخُطْبَةِ.
وَلَا يَحْصُلُ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ مَنْ كَلَّمَ الْإِمَامَ لِحَاجَةٍ، أَوْ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، بِدَلِيلِ الْخَبَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
[فَصْلٌ إذَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَكَلِّمًا لَمْ يَنْهَهُ بِالْكَلَامِ]
(١٣٢٧) فَصْلٌ: وَإِذَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ مُتَكَلِّمًا لَمْ يَنْهَهُ بِالْكَلَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» وَلَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَيَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى فِيهِ.
وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يُشِيرَ وَلَا يَتَكَلَّمَ، زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَرِهَ الْإِشَارَةَ طَاوُسٌ.