للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ جِمَاعٌ أَوْجَبَ الْغُسْلَ، فَأَوْجَبَ بَدَنَةً، كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.

وَفِي فَسَادِ حَجِّهِ بِذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَفْسُدُ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ، فَأَفْسَدَهَا الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، كَالصِّيَامِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَا يَجِبُ بِنَوْعِهِ الْحَدُّ، فَلَمْ يُفْسِدْ الْحَجَّ.

كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ يَجِبُ بِنَوْعِهِ الْحَدُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ اثْنَا عَشَرِ حُكْمًا، وَلَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ، وَالصِّيَامُ يُخَالِفُ الْحَجَّ فِي الْمُفْسِدَاتِ، وَلِذَلِكَ يَفْسُدُ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ مَعَ الْإِنْزَالِ وَالْمَذْيِ وَسَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ، وَالْحَجُّ لَا يَفْسُدُ بِشَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ غَيْرِ الْجِمَاعِ، فَافْتَرَقَا. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا، إذَا كَانَتْ ذَاتَ شَهْوَةٍ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَالرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهْوَةٌ.

[مَسْأَلَة إنْ الْمُحْرِم قَبَّلَ فَلَمْ يُنْزِلْ]

(٢٣٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ قَبَّلَ فَلَمْ يُنْزِلْ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْقُبْلَةِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّ الْخِرَقِيِّ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ عِنْدَ الْإِنْزَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ فِي الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إلَّا رِوَايَةً وَاحِدَةً،

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا أَيْضًا رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ، لَكِنْ نُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ تَوْجِيهًا لِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ فَنَقُولُ: إنْزَالٌ بِغَيْرِ وَطْءٍ فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْحَجُّ، كَالنَّظَرِ، وَلِأَنَّ اللَّذَّةَ بِالْوَطْءِ فَوْقَ اللَّذَّةِ بِالْقُبْلَةِ، فَكَانَتْ فَوْقَهَا فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ مَرَاتِبَ أَحْكَامِ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى وَفْقِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ اللَّذَّةِ، فَالْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ أَبْلَغُ الِاسْتِمْتَاعِ، فَأَفْسَدَ الْحَجَّ مَعَ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ، وَالْوَطْءُ دُونَ الْفَرْجِ دُونَهُ، فَأَوْجَبَ الْبَدَنَةَ وَأَفْسَدَ الْحَجَّ عِنْدَ الْإِنْزَالِ، وَالدَّمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْقُبْلَةُ دُونَهُمَا، فَتَكُونُ دُونَهُمَا فِيمَا يَجِبُ بِهَا، فَيَجِبُ بِهَا بَدَنَةٌ عِنْدَ الْإِنْزَالِ مِنْ غَيْرِ إفْسَادٍ، وَتَكْرَارُ النَّظَرِ دُونَ الْجَمِيعِ، فَيَجِبُ بِهِ الدَّمُ عِنْدَ الْإِنْزَالِ، وَلَا يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِهِ شَيْءٌ.

وَمِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةِ، قَالَ: كِلَاهُمَا مُبَاشَرَةٌ، فَاسْتَوَى حُكْمُهُمَا فِي الْوَاجِبِ بِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ: أَفْسَدْت حَجَّتَك. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَيْهِ دَمٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَبَّلَ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ مُحْرِمًا، فَسَأَلَ، فَأُجْمِعَ لَهُ عَلَى أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ. وَسَوَاءٌ أَمْذَى أَوْ لَمْ يُمْذِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنْ قَبَّلَ فَمَذَى أَوْ لَمْ يُمْذِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَسَائِرُ اللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>