عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأْت، فَلَكَ حَسَنَةٌ» وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مِثْلُهُ.
وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَشْتَغِلُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ.
فَإِذَا وَلَّى قَاضِيًا، اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، جَازَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بِإِذْنِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا نَهَاهُ عَنْهُ، كَالْوَكِيلِ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَهُ الِاسْتِخْلَافُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، كَالْوَكِيلِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَجْهَانِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقَضَاءِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، فَإِذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، جَازَ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، وَيُفَارِقُ التَّوْكِيلَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُوَلِّي الْقَضَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَلِّ.
[فَصْلٌ يُوَلِّي الْإِمَام قَاضِيًا عُمُومَ النَّظَرِ فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ]
(٨٢٩٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا عُمُومَ النَّظَرِ فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ، فَيُقَلِّدَهُ النَّظَرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، فَيَنْفُذَ حُكْمَهُ فِيمَنْ سَكَنَهُ، وَمَنْ أَتَى إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سُكَّانِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ خُصُوصَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ، فَيَقُولَ: جَعَلْت إلَيْك الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً، فِي جَمِيعِ وِلَايَتِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ حُكْمَهُ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: اُحْكُمْ فِي الْمِائَةِ فَمَا دُونَهَا. فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ، وَخُصُوصَ النَّظَرِ فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ وَثَلَاثَةً فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، يَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلًا، فَيُوَلِّيَ أَحَدَهُمْ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ، وَالْآخَرَ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ، وَآخَرَ النَّظَرَ فِي الْعَقَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُمُومَ النَّظَرِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ، فَإِنْ قَلَّدَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَمَلًا وَاحِدًا، فِي مَكَان وَاحِدٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ.
اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيقَافِ الْحُكْمِ وَالْخُصُومَاتِ، لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَيَرَى أَحَدُهُمَا مَا لَا يَرَى الْآخَرُ. وَالْآخَرُ، يَجُوزُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَهُوَ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَيَكُونَ فِيهَا قَاضِيَانِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قَاضِيَانِ أَصْلِيَّانِ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ فَصْلُ