[بَابٌ الْحَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ.] [مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِشَرْطَيْنِ]
ِ. (٦٥١٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِذَا تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِثْلُهَا يُوطَأُ، فَلَمْ تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا، وَلَا مَنَعَهُ أَوْلِيَاؤُهَا، لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ قِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ. كَانَ مَذْهَبًا. وَهَذَا قَوْل الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهَا، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لَهَا، كَالْمَرَضِ.
وَلَنَا، أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ، فَلَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا، كَمَا لَوْ مَنَعَهُ أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ، وَيُفَارِقُ الْمَرِيضَةَ، فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا نَقَصَ بِالْمَرَضِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُمَكِّنُ الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا، لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُهَا، فَهَذِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تِلْكَ يُمْكِنُ الزَّوْجُ قَهْرَهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كُرْهًا، وَهَذِهِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهَا بِحَالٍ. الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَبْذُلَ التَّمْكِينَ التَّامَّ مِنْ نَفْسِهَا لِزَوْجِهَا، فَأَمَّا إنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا أَوْ مَنَعَهَا أَوْلِيَاؤُهَا، أَوْ تَسَاكَتَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَمْ تَبْذُلْ وَلَمْ يَطْلُبْ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ أَقَامَا زَمَنًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَلَمْ يُنْفِقْ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ نَفَقَتَهَا لِمَا مَضَى. وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ اسْتَحَقَّتْ، وَإِذَا فُقِدَ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَلَوْ بَذَلَتْ تَسْلِيمًا غَيْرَ تَامٍّ، بِأَنْ تَقُولَ: أُسَلِّمُ إلَيْك نَفْسِي فِي مَنْزِلِي دُونَ غَيْرِهِ. أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ دُونَ غَيْرِهِ. لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ اشْتَرَطَتْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ، كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أُسَلِّمُ إلَيْك السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تَتْرُكَهَا فِي مَوْضِعِهَا، أَوْ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ.
وَإِنْ شَرَطَتْ دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا، فَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا؛ وَلِذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ، وَفَارَقَ الْحُرَّةَ، فَإِنَّهَا لَوْ بَذَلَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَلِّمْ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَمَنَعَتْهُ اسْتِمْتَاعًا، لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute