للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ التَّبَرُّعَ وَالْإِبْرَاءَ وَمَا لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ.

[فَصْلٌ كَانَ لِلصَّبِيِّ حَظٌّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ]

(٤٠٤٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْوَلِيُّ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ حَظٌّ فِي الْأَخْذِ بِهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ رَخِيصًا، أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ لِشِرَاءِ الْعَقَارِ، لَزِمَ وَلِيَّهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ لَهُ، وَالْأَخْذَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، فَإِذَا أَخَذَ بِهَا، ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلصَّبِيِّ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْضَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْأَخْذُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ عَنْهَا، فَلَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِهَا الصَّبِيُّ إذَا كَبِرَ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ جُعِلَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ، فَمَلَكَهُ الْوَلِيُّ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ قِيَاسِهِ فِيمَا مَضَى.

فَإِنْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ مَعَ الْحَظِّ فَلِلصَّبِيِّ الْأَخْذُ بِهَا إذَا كَبِرَ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ لِذَلِكَ غُرْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ تَحْصِيلَ مَالَهُ الْحَظُّ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ شِرَاءَ الْعَقَارِ لَهُ مَعَ الْحَظِّ فِي شِرَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَرْكِهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ غِبْنَ، أَوْ كَانَ فِي الْأَخْذِ بِهَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَرْهَنَ مَالَ الصَّبِيِّ، فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِعْلَ مَا لَا حَظَّ لِلصَّبِيِّ فِيهِ.

فَإِنْ أَخَذَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ، وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ مَا لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تُؤْخَذُ بِحَقِّ الشَّرِكَةِ، وَلَا شَرِكَةَ لِلْوَلِيِّ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَصِحَّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا، وَلَا يَصِحُّ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا هَاهُنَا.

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَصِحُّ الْأَخْذُ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ مَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، وَالْحَظُّ يَخْتَلِفُ وَيَخْفَى، فَقَدْ يَكُونُ لَهُ حَظٌّ فِي الْأَخْذِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، لِزِيَادَةِ قِيمَةِ مِلْكِهِ وَالشِّقْصِ الَّذِي يَشْتَرِيه بِزَوَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ لِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِأَخْذِهِ كَثِيرٌ، فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْحَظِّ بِنَفْسِهِ لِخَفَائِهِ، وَلَا بِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَصَحَّ الْبَيْعُ.

[فَصْلٌ بَاعَ وَصِيُّ الْأَيْتَامِ فَبَاعَ لِأَحَدِهِمْ نَصِيبًا فِي شَرِكَةِ آخَرِ]

(٤٠٤٣) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ وَصِيُّ الْأَيْتَامِ، فَبَاعَ لِأَحَدِهِمْ نَصِيبًا فِي شَرِكَةِ آخَرَ، كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلْآخَرِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ شَرِيكًا لِمَنْ بَاعَ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي بَيْعِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ.

وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ نَصِيبَهُ، كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلْيَتِيمِ بِالشُّفْعَةِ، إذَا كَانَ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِهِ، لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا يُوَافِقُهُ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَاصِلٌ لَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>