آخَرُ، أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَادَ فِيهِ زَائِدٌ، أَوْ رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ، فَزَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ لِلْعَامِلِ فِي الْبَيْعِ حَظٌّ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الرِّبْحَ إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى، أَوْ الْمُشْتَرِيَ، كَانَ لِلْمُعِيرِ وَالشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَا قِيمَةَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَرْضِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ احْتِمَالِ الزِّيَادَةِ، بِزِيَادَةِ مُزَايِدٍ أَوْ رَاغِبٍ عَلَى قِيمَتِهِ، فَإِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْعَامِلُ. وَإِنْ طَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْبَيْعَ، وَأَبَى الْعَامِلُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ. وَالثَّانِي، لَا يُجْبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ زَالَ تَصَرُّفُهُ، وَصَارَ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْمَالِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى مَا يُسْتَحَقُّ رَدُّهُ، فَزَالَتْ وَكَالَتُهُ قَبْلَ رَدِّهِ.
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ، فَصَارَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ، فَصَارَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ عَرْضًا، عَلَى مَا شُرِحَ. وَإِذَا نَضَّ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُهُ، لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ أَنْ يَنِضَّ مَالَ شَرِيكِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّ رَأْسَ الْمَالِ، لِيَرُدَّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ عَلَى صِفَتِهِ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرِّبْحِ.
[فَصْلٌ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ دَيْنٌ]
(٣٧٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ، وَالْمَالُ دَيْنٌ، لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، لَزِمَهُ تَقَاضِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَقَاضِيهِ، لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي الْعَمَلِ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَتِهِ، وَالدُّيُونُ لَا تَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَكَمَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا
وَيُفَارِقُ الْوَكِيلَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَالِ كَمَا قَبَضَهُ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ. وَلَا فَرْقَ بَيْن كَوْنِ الْفَسْخِ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ اقْتَضَى مِنْهُ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ الرِّبْحِ، أَوْ دُونَهُ، لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَوُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ.
[فَصْلٌ أَيُّ الْمُتَقَارِضَيْنِ مَاتَ أَوْ جُنَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ]
فَصْلٌ: (٣٧٠٢) وَأَيُّ الْمُتَقَارِضَيْنِ مَاتَ أَوْ جُنَّ، انْفَسَخَ الْقِرَاضُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَانْفَسَخَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ، كَالتَّوْكِيلِ. فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ أَوْ الْجُنُونُ بِرَبِّ الْمَالِ، فَأَرَادَ الْوَارِثُ أَوْ وَلِيُّهُ إتْمَامَهُ، وَالْمَالُ نَاضٌّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute