للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ كَانَ الْعَبْدُ بَيْن اثْنَيْنِ فَغَصَبَ رَجُلٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا]

(٣٧٢٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَغَصَبَ رَجُلٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَمْنَعَ أَحَدَهُمَا الِانْتِفَاعَ دُونَ الْآخَرِ، ثُمَّ إنَّ مَالِكَ نِصْفِهِ وَالْغَاصِبَ بَاعَا الْعَبْدَ صَفْقَةً وَاحِدَةً، صَحَّ فِي نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَبَطَلَ فِي نَصِيبِ الْغَاصِبِ. وَإِنْ وَكَّلَ الشَّرِيكُ الْغَاصِبَ، أَوْ وَكَّلَ الْغَاصِبُ الشَّرِيكَ فِي الْبَيْعِ، فَبَاعَ الْعَبْدَ كُلَّهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً، بَطَلَ فِي نَصِيبِ الْغَاصِبِ، فِي الصَّحِيحِ. وَهَلْ يَصِحُّ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ هَاهُنَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِهَا، فَبَطَلَ فِي سَائِرِهَا. بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ، فَإِنَّهُمَا عَقْدَانِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ.

وَلَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ ذَكَرَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ وُكِّلَ فِي نِصْفِهِ، لَصَلَحَ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ؛ لِكَوْنِهِ كَالْعَقْدِ الْمُنْفَرِدِ.

[فَصْلٌ كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ لِسَبَبِ وَاحِدٍ]

(٣٧٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ لِسَبَبِ وَاحِدٍ؛ إمَّا عَقْدٌ أَوْ مِيرَاثٌ أَوْ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا، فَلِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُشَارِكَهُ الْآخَرُ فِيمَا أَخَذَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ قِيلَ لِأَحْمَدَ: بِعْت أَنَا وَصَاحِبِي مَتَاعًا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَعْطَانِي حَقِّي، وَقَالَ: هَذَا حَقُّك خَاصَّةً، وَأَنَا أُعْطِي شَرِيكَك بَعْدُ. قَالَ: لَا يَجُوزُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَخَّرَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ حَقِّهِ دُونَ صَاحِبِهِ؟ قَالَ: يَجُوزُ. قِيلَ: فَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ دُونَ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ، وَيُبْرِئَهُ دُونَ صَاحِبِهِ؟ فَفَكَّرَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا يُشْبِهُ الْمِيرَاثَ إذَا أَخَذَ مِنْهُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ نَصِيبِهِ.

قَالَ: فَرَأَيْته قَدْ احْتَجَّ لَهُ وَأَجَازَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَمَلُ عِنْدِي عَلَى مَا رَوَاهُ حَرْبٌ وَحَنْبَلٌ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَمَّا قَالَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْقَابِضِ مَا أَخَذَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ رِضَى الشَّرِيكِ، فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ وَالْبَاقِي جَمِيعًا مُشْتَرَكًا، وَلِغَيْرِ الْقَابِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ، أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْهَا بِرَهْنٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ سَوَاءٍ، فَلَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُ حَقِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشَّرِيكِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ فِي أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ مَنْعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَرِيمِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا أُعْطِيك نِصْفَ مَا قَبَضْت.

بَلْ الْخِيرَةُ إلَيْهِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ قَبَضَ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ شَرِيكِهِ شَيْئًا، رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَابِضِ، تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَلَمْ يَضْمَنْهُ لِلشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>