لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نِيَّتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، وَلَا اطِّلَاعَ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ الرَّاهِنُ مُحْتَمِلٌ. وَكُلُّ مُؤْنَةٍ لَا تَلْزَمُ الرَّاهِنَ، كَنَفَقَةِ الْمُدَاوَاةِ وَالتَّأْبِيرِ وَأَشْبَاهِهِمَا، لَا يَرْجِعُ بِهَا الْمُرْتَهِنُ إذَا أَنْفَقَهَا مُحْتَسِبًا أَوْ مُتَبَرِّعًا.
[مَسْأَلَةٌ الرَّهْنُ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ]
(٣٣٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالرَّهْنُ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ فِيهِ مِنْ رَاهِنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ، أَوْ لَمْ يَحْرُزْهُ، ضَمِنَ) أَمَّا إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ، أَوْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ لِلرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَهُ حَتَّى تَلِفَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. لَا نَعْلَمُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ خِلَافًا؛ وَلِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ إذَا تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ، كَالْوَدِيعَةِ. وَأَمَّا إنْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَيُرْوَى عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ أَنَّ الرَّهْنَ يَضْمَنُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ»
وَقَالَ. مَالِكٌ إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِأَمْرِ ظَاهِرٍ، كَالْمَوْتِ وَالْحَرِيقِ، فَمِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَضَمِنَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ وَيَرْوِي ذَلِكَ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى عَطَاءٌ، أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا، فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «ذَهَبَ حَقُّك» . وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَيَضْمَنُهَا مَنْ قَبَضَهَا لِذَلِكَ، أَوْ مَنْ قَبَضَهَا نَائِبُهُ، كَحَقِيقَةِ الْمُسْتَوْفَى، وَلِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْنٍ، فَكَانَ مَضْمُونًا، كَالْمَبِيعِ إذَا حُبِسَ لِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَلَفْظُهُ: «الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ» وَبَاقِيه سَوَاءٌ. قَالَ: وَوَصَلَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُنَيْسَةَ. وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَا يَضْمَنُ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ، وَكَالْكَفِيلِ وَالشَّاهِدِ، وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدِ وَاحِدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ، فَكَانَ جَمِيعُهُ أَمَانَةً، كَالْوَدِيعَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: أَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِهِ الْعَقَارُ، لَا يُضْمَنُ بِهِ الذَّهَبُ. كَالْوَدِيعَةِ، فَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ يُخَالِفُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَرْوِيه إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَكَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ: يَرْوِيه مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَانَ ضَعِيفًا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ، ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْوَثِيقَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute