للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة سَبِيل مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبُ]

(٧٤٥٦) مَسْأَلَةٌ: وَسَبِيلُ مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْهُمْ، وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِمْ، سَبِيلُ تِلْكَ الْغَنِيمَةِ يَعْنِي مَنْ صَارَ مِنْهُمْ رَقِيقًا بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، أَوْ فُودِيَ بِمَالٍ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ، يُخَمَّسُ ثُمَّ يُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.

وَلِأَنَّهُ مَالٌ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَشْبَهَ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْأَسْرُ لَمْ يَكُنْ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ حَقٌّ، فَكَيْفَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِبَدَلِهِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِرْقَاقِ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَالًا، فَإِذَا صَارَ مَالًا، تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَانِمِينَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَسَرُوهُ وَقَهَرُوهُ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، إذَا قُتِلَ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْخِيَارُ، فَإِذَا اخْتَارُوا الدِّيَةَ، تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا.

[مَسْأَلَةٌ اسْتِرْقَاقُ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ دُونَ الرِّجَالِ]

(٧٤٥٧) مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْقَاقُهُمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مَجُوسًا، وَأَمَّا مَا سِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْعَدُوِّ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْ بَالِغِي رِجَالِهِمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ أَوْ الْفِدَاءُ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ رِجَالِهِمْ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. (٧٤٥٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصَّبِيَّانِ، فَيَصِيرُونَ رَقِيقًا بِالسَّبْيِ.

وَمَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ فِدَاءِ النِّسَاءِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِنَّ تَعْرِيضًا لَهُنَّ لِلْإِسْلَامِ، لِبَقَائِهِنَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَوَّزَ أَنْ يُفَادَى بِهِنَّ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى بِالْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْقَاذَ مُسْلِمٍ مُتَحَقِّقٍ إسْلَامُهُ، فَاحْتَمَلَ تَفْوِيتَ غَرَضِيَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالُ فَوَاتِهَا، لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. فَأَمَّا الصِّبْيَانُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُفَادَى بِهِمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ سَابِيه، فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْمُشْرِكِينَ.

وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أَسْلَمَتْ لَمْ يَجُزْ رَدُّهَا إلَى الْكُفَّارِ بِفِدَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] . وَلِأَنَّ فِي رَدِّهَا إلَيْهِمْ تَعْرِيضًا لَهَا لِلرُّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَاسْتِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ، كَاَلَّذِي سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ، لَمْ يَجُزْ فِدَاؤُهُ بِمَالِ. وَهَلْ يَجُوزُ فِدَاؤُهُ بِمُسْلِمٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

[فَصْلٌ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لِكَافِرٍ]

(٧٤٥٩) فَصْلٌ: وَلَمْ يُجَوِّزْ أَحْمَدُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لِكَافِرٍ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّقِيقُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>