الْعَاقِلَةُ يَجِبُ حَالًّا، لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَلَزِمَ الْمُتْلِفَ حَالًّا، كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ.
وَفَارَقَ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ مُوَاسَاةً، فَأُلْزِمَ التَّأْجِيلُ تَخْفِيفًا عَلَى مُتَحَمِّلِهِ، وَعَدَلَ بِهِ عَنْ الْأَصْلِ فِي التَّأْجِيلِ، كَمَا عَدَلَ بِهِ عَنْ الْأَصْلِ فِي إلْزَامِهِ غَيْرِ الْجَانِي.
[فَصْلٌ لَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ]
(٦٧٨٩) فَصْلٌ: وَلَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ إعَانَةً لَهُ، فَلَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِيهَا. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَضَى بِجَمِيعِهَا عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الدِّيَةُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْضُهَا، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِ رَجُلٍ، فَقَتَلَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِحَقٍّ، فَبَانَ مَظْلُومًا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُ الْقَاتِلَ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ قِسْطَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ الْكَفَّارَة فِي مَال الْقَاتِل]
(٦٧٩٠) فَصْلٌ: وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَا يَدْخُلُهَا تَحَمُّلٌ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ، فَإِيجَابُهَا فِي مَالِهِ يُجْحِفُ بِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا كَفَّارَةٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُهَا، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ صَوْمًا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ الْجَانِي، وَلَا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَيُفَارِقُ الدِّيَةَ، فَإِنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِجَبْرِ الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِهَا كَيْفَمَا كَانَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْقَاتِلَةِ وَمَا ذَكَرُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الدِّيَةِ لَوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَجِبْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ. الثَّانِي: أَنَّ الدِّيَةَ كَثِيرَةٌ، فَإِيجَابُهَا عَلَى الْقَاتِلِ يُجْحِفُ بِهِ، وَالْكَفَّارَةُ بِخِلَافِهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً لِلْقَاتِلِ، وَجُعِلَ حَظُّ الْقَاتِلِ مِنْ الْوَاجِبِ الْكَفَّارَةَ، فَإِيجَابُهَا عَلَى غَيْرِهِ يَقْطَعُ الْمُوَاسَاةَ، وَيُوجِبُ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي أَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute