للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ عُذْرٍ، فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، مَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا لَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبْ يَوْمًا فَيَوْمًا، فَتَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهَا إذَا لَمْ يَفْرِضْهَا الْحَاكِمُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَاضِي قَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا بِمُضِيِّ وَقْتِهَا، فَتَسْقُطُ، كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ.

وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى. وَلِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، كَأُجْرَةِ الْعَقَارِ وَالدُّيُونِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إلَّا بِمِثْلِهَا. وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ وَاجِبٌ فَأَشْبَهْت الْأُجْرَةَ. وَفَارَقَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهَا صِلَةٌ يَعْتَبِرُ فِيهَا الْيَسَارُ مِنْ الْمُنْفِقِ وَالْإِعْسَارُ مِمَّنْ تَجِبُ لَهُ، وَجَبَتْ لِتَزْجِيَةِ الْحَالِ، فَإِذَا مَضَى زَمَنُهَا اسْتَغْنَى عَنْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِيَسَارِهِ، وَهَذِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مَعَ يَسَارِهِ، فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ بِكَمَالِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا لِإِعْسَارِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ [إلَّا] نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ سَقَطَ بِإِعْسَارِهِ.

[فَصْلٌ ضَمَانُ النَّفَقَةِ مَا وَجَبَ مِنْهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ]

(٦٤٨٠) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ ضَمَانُ النَّفَقَةِ، مَا وَجَبَ مِنْهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ ضَمَانُ مَا وَجَبَ، وَفِي ضَمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ هَلْ تَجِبُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالتَّمْكِينِ؟ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ إذَا كَانَ مَالُهُ إلَى الْوُجُوبِ، فَعِنْدنَا يَصِحُّ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ الضَّمَانِ.

[فَصْلٌ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ أَوْ الْأُدْمِ أَوْ الْمَسْكَنِ]

(٦٤٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ أَوْ الْأُدْمِ أَوْ الْمَسْكَنِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِدِ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ، كَالزَّائِدِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَتَثْبُتُ فِي الذِّمَّة، كَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلْمَرْأَةِ قُوتًا، وَفَارَقَ الزَّائِدَ عَنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ.

[فَصْلٌ أَنْفَقْت الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ إنْفَاقِهَا]

(٦٤٨٢) فَصْلٌ: وَإِذَا أَنْفَقْت الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ إنْفَاقِهَا، حُسِبَ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ مِنْ مِيرَاثِهَا، سَوَاءٌ أَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا، أَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>