وَقَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى. وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ.
وَرَوَى الْأُمَوِيُّ، فِي " الْمَغَازِي "، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا مَاتَ، جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْتَحِبَانِ، حَتَّى اخْتَلَطَتْ عَلَيَّ أَصْوَاتُهُمَا. وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَهُوَ فِي غَاشِيَتِهِ، فَبَكَى، وَبَكَى أَصْحَابُهُ، وَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ. أَوْ يَرْحَمُ.» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَالنَّدْبِ وَشِبْهِهِمَا، بِدَلِيلِ مَا رَوَى جَابِرٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ ابْنَهُ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَتَبْكِي؟ أَوْ لَمْ تَكُنْ نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ نَهَيْت عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ؛ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ مُطْلَقِ الْبُكَاءِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا عَلَى نِسَاءِ بَنِي الْمُغِيرَة أَنْ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اللَّقْلَقَةُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ.
[فَصْل النَّدْبُ هُوَ تَعْدَادُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ]
(١٦٥٧) فَصْلٌ: وَأَمَّا النَّدْبُ فَهُوَ تَعْدَادُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، وَمَا يَلْقَوْنَ بِفَقْدِهِ بِلَفْظِ النِّدَاءِ؛ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْوَاوِ مَكَانَ الْيَاءِ، وَرُبَّمَا زِيدَتْ فِيهِ الْأَلْفُ وَالْهَاءُ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: وَارَجُلَاه وَاجَبَلَاه، وَانْقِطَاعُ ظَهْرَاهُ. وَأَشْبَاهُ هَذَا. وَالنِّيَاحَةُ، وَخَمْشُ الْوُجُوهِ، وَشَقُّ الْجُيُوبِ، وَضَرْبُ الْخُدُودِ، وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ مَكْرُوهٌ.
وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا فِيهِ احْتِمَالُ إبَاحَةِ النَّوْحِ وَالنَّدْبِ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، وَأَبَا وَائِلٍ، كَانَا يَسْتَمِعَانِ النَّوْحَ وَيَبْكِيَانِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا ذَكَرَتْ الْمَرْأَةُ مِثْلَ مَا حُكِيَ عَنْ فَاطِمَةَ، فِي مِثْلِ الدُّعَاءِ، لَا يَكُونُ مِثْلَ النَّوْحِ. يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ، يَا أَبَتَاهُ، إلَى جِبْرِيلَ أَنْعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخَذَتْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَتْهَا عَلَى عَيْنِهَا، ثُمَّ قَالَتْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute