[مَسْأَلَةُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَضُرِبَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ مَعْلُومٌ]
(١٨٦٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا كَانَ عَنْوَةً أُدِّيَ عَنْهَا الْخَرَاجُ، وَزُكِّيَ مَا بَقِيَ إذَا كَانَ خَمْسَةَ أَوَسْقً، وَكَانَ لِمُسْلِمٍ) . يَعْنِي مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَضُرِبَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ مَعْلُومٌ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الْخَرَاجُ مِنْ غَلَّتِهِ، وَيُنْظَرُ فِي بَاقِيهَا، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ لِمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، أَوْ بَلَغَ نِصَابًا وَلَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمُغِيرَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا عُشْرَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» . وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ سَبَبَاهُمَا مُتَنَافِيَانِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ، كَزَكَاةِ السَّوْمِ وَالتِّجَارَةِ، وَالْعُشْرِ، وَزَكَاةِ الْقِيمَةِ. وَبَيَانُ تَنَافِيهِمَا أَنَّ الْخَرَاجَ وَجَبَ عُقُوبَةً؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَالزَّكَاةُ وَجَبَتْ طُهْرَةً وَشُكْرًا، وَلَنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ.» وَغَيْرُهُ مِنْ عُمُومَاتِ الْأَخْبَارِ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] . ثُمَّ قَالَ: نَتْرُكُ الْقُرْآنَ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ يَجُوزُ وُجُوبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُسْلِمِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْكَفَّارَةِ وَالْقِيمَةِ فِي الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ الْمَمْلُوكِ، وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيه يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ جِزْيَةٌ.
وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " وَكَانَ لِمُسْلِمِ " يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ سِوَى الْخَرَاجِ. قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ، إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] . فَأَيُّ طُهْرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ سَبَبَيْهِمَا يَتَنَافَيَانِ. غَيْرُ صَحِيحٍ.
فَإِنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَالْعُشْرُ زَكَاةُ الزَّرْعِ، وَلَا يَتَنَافَيَانِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، وَلَوْ كَانَ الْخَرَاجُ عُقُوبَةً لِمَا وَجَبَ عَلَى مُسْلِمٍ، كَالْجِزْيَةِ. .
[فَصْلُ كَانَ فِي غَلَّةِ الْأَرْضِ مَا لَا عُشْرَ فِيهِ]
(١٨٦٩) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ فِي غَلَّةِ الْأَرْضِ مَا لَا عُشْرَ فِيهِ، كَالثِّمَارِ الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَالْخَضْرَاوَاتِ، وَفِيهَا زَرْعٌ فِيهِ الزَّكَاةُ، جُعِلَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَاجِ، وَزُكِّيَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، إذَا كَانَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَافِيًا بِالْخَرَاجِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إلَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أُدِّيَ الْخَرَاجُ مِنْ غَلَّتِهَا، وَزُكِّيَ مَا بَقِيَ.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute