دُونَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ صَحِيحًا، فَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يُفَرِّطْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ لَهُ ثَمَنُ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ؛ بِدَلِيلِ الْعَيْبِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُ فِي الْعَبْدِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ مَكْسُورًا، كَبِيضِ الدَّجَاجِ الْفَاسِدِ، وَالرُّمَّانِ الْأَسْوَدِ، وَالْجَوْزِ الْخَرِبِ، وَالْبِطِّيخِ التَّالِفِ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَيَّنَ بِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِكَوْنِهِ وَقَعَ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، كَالْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مِمَّا لِمَعِيبِهِ قِيمَةٌ، كَجَوْزِ الْهِنْدِ، وَبَيْضِ النَّعَامِ، وَالْبِطِّيخِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ، وَنَحْوِهِ، فَإِذَا كَسَرَهُ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ، فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِ الْكَسْرِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ عَيْبِهِ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ صَحِيحِهِ وَمَعِيبِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي لَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِكَسْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِطَرِيقِ اسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تُعْلَمُ لَهُ صِحَّتُهُ مِنْ فَسَادِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. أَنَّهُ نَقْصٌ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، فَلَزِمَ رَدُّ أَرْشِهِ، كَلَبَنِ الْمُصَرَّاةِ إذَا حَلَبَهَا، وَالْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا، وَبِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ مِنْ الْبَائِعَ، وَالتَّصْرِيَةُ حَصَلَتْ بِتَدْلِيسِهِ، وَإِنْ كَانَ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُتْلِفُ الْمَبِيعَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْكَسْرِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ، بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا يُبْقِي لَهُ قِيمَةً، فَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ، لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَقَدْرُ أَرْشِ الْعَيْبِ قِسْطُ مَا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ، فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ صَحِيحًا، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعِيبًا غَيْرَ مَكْسُورٍ، فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ. عَلَى مَا مَضَى شَرْحُهُ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا]
(٣٠٣٣) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ النَّشْرُ، رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُهُ النَّشْرُ، كالهسنجاني، الَّذِي يُطْوَى طَاقَيْنِ مُلْتَصِقَيْنِ، جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى جَوْزِ الْهِنْدِ، عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فِيمَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ، أَوْ زَادَ، كَنَشْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ. وَإِنْ أَحَبَّ أَخْذَ أَرْشِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْب]
(٣٠٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، فَلَهُ أَرْشُهُ لَا غَيْرُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ لَهُ رَدَّهُ. وَأَخْذَ زِيَادَتِهِ بِالصَّبْغِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ، فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، كَالسَّمْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute