أَحَدُهُمَا، يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَعْلَى دِينًا مِنْهُ، فَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا، كَمَا يُقَرُّ الْمُسْلِمُ عَلَى نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ. وَالثَّانِي، لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّنْ لَا يُقَرُّ الْمُسْلِمُ عَلَى نِكَاحِهَا، فَلَا يُقَرُّ الذِّمِّيُّ عَلَى نِكَاحِهَا، كَالْمُرْتَدَّةِ.
[مَسْأَلَةٌ سَمَّى لَهَا وَهُمَا كَافِرَانِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا]
(٥٤٧١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَا سُمِّيَ لَهَا، وَهُمَا كَافِرَانِ، فَقَبَضَتْهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا. وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ، وَهُوَ حَرَامٌ، فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، أَوْ نِصْفُهُ، حَيْثُ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا، وَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِمَا فَعَلُوهُ، وَمَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ فَقَدْ نَفَذَ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨] . فَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ دُونَ مَا قُبِضَ
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٥] . وَلِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِلْمَقْبُوضِ بِأَبْطَالِهِ يَشُقُّ، لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ، وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ، فَفِيهِ تَنْفِيرُهُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عَنْهُ، كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلِأَنَّهُمَا تَقَابَضَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ، فَبَرِئَتْ ذِمَّةُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا. وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى حَلَالًا، وَجَبَ مَا سَمَّيَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى صَحِيحٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَوَجَبَ، كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، بَطَلَ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّيَاهُ لَا يَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا لَمُسْلِمَةٍ، وَلَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمٍ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَنِصْفُهُ إنْ وَقَعْت الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: حَيْثُ أَوْجَبَ ذَلِكَ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ أَصْدَقَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا مُعَيَّنَيْنِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ، فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ، وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ، اسْتِحْسَانًا. وَلَنَا أَنَّ الْخَمْرَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خِنْزِيرًا، وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا
(٥٤٧٢) فَصْلٌ: وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ، سَقَطَ مِنْ الْمَهْرِ بِقَدْرِ مَا قُبِضَ، وَوَجَبَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ عَشْرَةَ زُقَاقِ خَمْرٍ مُتَسَاوِيَةً، فَقَبَضَتْ خَمْسًا مِنْهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَوَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute