[كِتَابُ الظِّهَارِ]
ِ الظِّهَارُ: مُشْتَقُّ مِنْ الظَّهْرِ، وَإِنَّمَا خَصُّوا الظَّهْرَ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرْكُوبٍ يُسَمَّى ظَهْرًا، لِحُصُولِ الرُّكُوبِ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الْأَغْلَبِ، فَشَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِذَلِكَ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] . وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ كَالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: ٤] . وَالْأَصْلُ فِي الظِّهَارِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢] . وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ «خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَادِلُنِي فِيهِ، وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ. فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١] . فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً. فَقُلْت: لَا يَجِدُ. قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قُلْت: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ: فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّكِ.» قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَرَقُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ: هُوَ مَا سُفَّ مِنْ خُوصٍ، كَالزِّنْبِيلِ الْكَبِيرِ.
وَرَوَى أَيْضًا، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ، قَالَ: كُنْت أُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، خِفْت أَنْ أُصِيبَ مِنْ امْرَأَتِي شَيْئًا يَتَتَابَعُ حَتَّى أُصْبِحَ، فَظَاهَرْتُ مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَبَيْنَا هِيَ تَخْدِمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ، إذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْت عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْت خَرَجْت إلَى قَوْمِي، فَأَخْبَرْتُهُمْ الْخَبَرَ، وَقُلْت: امْشُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ. فَانْطَلَقْت إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute