أَنَسًا رَوَى «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، شَكَوَا الْقَمْلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ: شَكَيَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ، وَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، وَغَيْرُ الْقَمْلِ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي مَعْنَاهُ. فَيُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، لَا يُبَاحُ لُبْسُهُ لِلْمَرَضِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ خَاصَّةً لَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الرُّخْصَةِ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
فَأَمَّا لُبْسُهُ لِلْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ، كَأَنْ كَانَ بِطَانَةً لِبَيْضَةٍ أَوْ دِرْعٍ وَنَحْوِهِ، أُبِيحَ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ؛ كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِالذَّهَبِ، وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ لُبْسِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُبَاحُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِلْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَالْخُيَلَاءُ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَذْمُومٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ: " إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ".
وَالثَّانِي، يَحْرُمُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ يَلْمَقُ مِنْ دِيبَاجٍ، بِطَانَتُهُ سُنْدُسٌ، مَحْشُوٌّ قَزًّا، كَانَ يَلْبَسُهُ فِي الْحَرْبِ.
[فَصْلٌ الْمَنْسُوجُ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاة]
(٨١٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمَنْسُوجُ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، كَثَوْبٍ مَنْسُوجٍ مِنْ قُطْنٍ وَإِبْرَيْسَمٍ، أَوْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ فَالْحُكْمُ لِلْأَغْلَبِ مِنْهُمَا. لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ، فَهُوَ كَالْبَيْضَةِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَالْعَلَمِ مِنْ الْحَرِيرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ، وَأَمَّا الْعَلَمُ، وَسَدَى الثَّوْبِ، فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، وَأَبُو دَاوُد قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute