للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ عَلَّلَ بِكَوْنِهِمْ يُرْبُونَ. كَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تُشَارِكَنَّ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا مَجُوسِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ يُرْبُونَ، وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَحِلُّ. وَهُوَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ طَيِّبَةٍ.

لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ «النَّبِيَّ، قَدْ عَامَلَهُمْ، وَرَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى شَعِيرٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ، وَأَرْسَلَ إلَى آخَرَ يَطْلُبُ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَأَضَافَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودِيٌّ بِخُبْزٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. وَلَا يَأْكُلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ بِطَيِّبٍ» ، وَمَا بَاعُوهُ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ قَبْلَ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ، فَثَمَنُهُ حَلَالٌ، لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَثْمَانَهَا.

فَأَمَّا مَا يَشْتَرِيه أَوْ يَبِيعُهُ مِنْ الْخَمْرِ بِمَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَكِيلِ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ مَيْتَةً، أَوْ عَامَلَ بِالرِّبَا، وَمَا خَفِيَ أَمْرُهُ فَلَمْ يُعْلَمْ، فَالْأَصْلُ إبَاحَتُهُ وَحِلُّهُ، فَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ، فَإِنَّ أَحْمَدَ كَرِهَ مُشَارَكَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ، قَالَ: مَا أُحِبُّ مُخَالَطَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ مَا لَا يَسْتَحِلُّ هَذَا. قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ عَمِّي: لَا تُشَارِكْهُ وَلَا تُضَارِبْهُ.

وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، لِتَرْكِ مُعَامَلَتِهِ وَالْكَرَاهَةِ لِمُشَارَكَتِهِ، وَإِنْ فَعَلَ صَحَّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ.

[مَسْأَلَةٌ شَرِكَة الْأَبْدَانِ]

(٣٦١٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ جَائِزَةٌ) . مَعْنَى شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِيمَا يَكْتَسِبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، كَالصُّنَّاعِ يَشْتَرِكُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِي صِنَاعَتِهِمْ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ.

وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِيمَا يَكْتَسِبُونَ مِنْ الْمُبَاحِ، كَالْحَطَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَالثِّمَارِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْجِبَالِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَهَذَا جَائِزٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ، مِثْلُ الصَّيَّادِينَ وَالنَّقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ. قَدْ «أَشْرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» .

وَفَسَّرَ أَحْمَدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبَ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ فِي الصِّنَاعَةِ، وَلَا يَصِحُّ فِي اكْتِسَابِ الْمُبَاحِ، كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاغْتِنَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُقْتَضَاهَا الْوَكَالَةُ وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>