مَا خَانَا، وَلَا كَذَبَا، وَلَا بَدَّلَا، وَلَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّرَا، وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ، وَتَرِكَتُهُ، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، فِي " سُنَنِهِ ". وَرَوَى الْخَلَّالُ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بِإِسْنَادِهِ. وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ عَدِيٍّ، وَتَمِيمٍ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَدْ فَسَّرَهَا بِمَا قُلْنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُبَيْدَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا. وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ، لَمْ تَجِبْ الْأَيْمَانُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمْ.
وَحَمْلُهَا عَلَى التَّحَمُّلِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْلَافِهِمْ، وَلَا أَيْمَانَ فِي التَّحَمُّلِ. وَحَمْلُهَا عَلَى الْيَمِينِ لَا يَصِحُّ؛ لِقَوْلِهِ: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] . وَلِأَنَّهُ عَطَفَهَا عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمَا شَاهِدَانِ.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، فِي " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَضَى بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، مِنْ أَيْنَ يَعْرِفُونَهُ؟ فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضَاءِ الصَّحَابَة بِهِ، وَعَمَلِهِمْ بِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ.
[مَسْأَلَة شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ]
(٨٣٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا. رَوَاهُ عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَمْ تُقْبَلُ. وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ فِي نَقْلِهِ هَذَا، وَكَذَلِكَ صَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: هَذَا غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: بَلْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّبْيِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي النَّسَبِ، إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ غَلَطُ مَنْ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ. وَذَهَبَ طَائِفَة مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَى أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ تُقْبَلُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَهَذَا قَوْلُ حَمَّادٍ، وَسَوَّارٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْبَتِّيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ.
وَعَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مِلَّةٍ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ يَهُودِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ، وَلَا نَصْرَانِيٍّ عَلَى يَهُودِيٍّ. وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، كَقَوْلِنَا، وَكَقَوْلِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute