غَيْرِ مُبَاحٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ الْمَحْرَمِيَّةِ كَالتَّحْرِيمِ الثَّابِتِ بِاللِّعَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهِمَا، وَلَا النَّظَرُ إلَيْهِمَا لِذَلِكَ. وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتَهُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ ابْنَته: لَا يُزَوِّجُهَا، وَلَا يُسَافِرُ مَعَهَا، لَيْسَ هُوَ لَهَا بِمَحْرَمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَنَا، أَنَّ إثْبَاتَ الْمَحْرَمِيَّةِ يَقْتَضِي الْخَلْوَةَ بِهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا تَثْبُتَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، كَالْحَضَانَةِ لِلطِّفْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِهَا كَالطِّفْلِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِأُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَابْنَتِهَا، وَالْمُحَرَّمَةِ بِاللِّعَانِ، وَبِالْمَجُوسِيِّ مَعَ ابْنَتِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجُوسِيِّ خِلَافٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، وَيَعْتَقِدُ حِلَّهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا.
قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَيَكُونُ الصَّبِيُّ مَحْرَمًا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَخْرُجُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ.
[فَصْل نَفَقَة الْمُحْرِم فِي الْحَجّ عَلَى الْمَرْأَة]
(٢٢٣٤) فَصْلٌ: وَنَفَقَةُ الْمَحْرَمِ فِي الْحَجِّ عَلَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا، فَكَانَ عَلَيْهَا نَفَقَتُهُ، كَالرَّاحِلَةِ. فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي اسْتِطَاعَتِهَا أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهَا وَلِمَحْرَمِهَا؛ فَإِنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ الْحَجِّ مَعَهَا، مَعَ بَذْلِهَا لَهُ نَفَقَتَهُ، فَهِيَ كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْحَجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ إجَابَتُهَا إلَى ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَعَهَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَجِّ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، وَكُلْفَةً عَظِيمَةً، فَلَا تَلْزَمُ أَحَدًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا إذَا كَانَتْ مَرِيضَةً.
[فَصْل مَاتَ مُحْرِم الْمَرْأَة فِي الطَّرِيق]
(٢٢٣٥) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا تَبَاعَدَتْ مَضَتْ، فَقَضَتْ الْحَجَّ. قِيلَ لَهُ: قَدِمَتْ مِنْ خُرَاسَان، فَمَاتَ وَلِيُّهَا بِبَغْدَادَ؟ فَقَالَ: تَمْضِي إلَى الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ خَاصَّةً فَهُوَ آكَدُ. ثُمَّ قَالَ: لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تَرْجِعَ.
وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، فَمُضِيُّهَا إلَى قَضَاءِ حَجِّهَا أَوْلَى. لَكِنْ إنْ كَانَ حَجُّهَا تَطَوُّعًا، وَأَمْكَنَهَا الْإِقَامَةُ فِي بَلَدٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ سَفَرِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
[فَصْل لَيْسَ لِلرَّجُلِ مَنَعَ امْرَأَته مِنْ حُجَّة الْإِسْلَام]
(٢٢٣٦) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ، لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي.
وَلَنَا، أَنَّهُ فَرْضٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ فِي ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَإِنْ، أَذِنَ، وَإِلَّا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ التَّطَوُّعِ. وَذَلِكَ