اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] . وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، وَوُجِدَ مَنْ بِهِ ضَرُورَةٌ، لَزِمَ إعْطَاؤُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ، فَإِذَا بَذَلَهُ لَهُمْ صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَمْ تَجُزْ لَهُمْ الصَّلَاةُ عُرَاةً؛ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى السَّتْرِ، إلَّا أَنْ يَخَافُوا ضِيقَ الْوَقْتِ، فَيُصَلِّيَ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْبَاقُونَ عُرَاةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عُرْيَانًا. وَيَنْتَظِرُ الثَّوْبَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَلَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْوَقْتَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانُوا فِي سَفِينَةٍ فِي مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ، لَا يُمْكِنُ جَمِيعَهُمْ الصَّلَاةُ فِيهِ قِيَامًا صَلَّى وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ يَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا، نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا. وَالْقِيَامُ آكَدُ مِنْ السُّتْرَةِ عِنْدَهُ. وَعَلَى رِوَايَةٍ لَنَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَقْيَسُ عِنْدِي، فَإِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الشَّرْطِ مَعَ إمْكَانِهِ أَوْلَى مَعَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَدَّ مَا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ، أَوْ سُتْرَةٌ يَخَافُ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ تَشَاغَلَ بِالْمَخْشِيِّ إلَيْهَا، وَالِاسْتِتَارِ بِهَا. فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مُقَدَّمًا عَلَى السَّتْرِ. فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ إعَارَتِهِمْ، أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ.
فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَؤُمَّهُمْ صَاحِبُ الثَّوْبِ، وَيَقِفَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ أُمِّيًّا وَهُمْ قُرَّاءٌ، صَلَّى الْبَاقُونَ جَمَاعَةً عَلَى مَا أَسْلَفْنَا. قَالَ الْقَاضِي: يُصَلِّي هُوَ مُنْفَرِدًا، وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ إعَارَةَ ثَوْبِهِ، وَمَعَهُمْ نِسَاءٌ، اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ آكَدُ فِي السَّتْرِ. وَإِذَا صَلَّيْنَ فِيهِ أَخَذَهُ. فَإِذَا تَضَايَقَ الْوَقْتُ، وَفِيهِمْ قَارِئٌ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ؛ لِيَكُونَ إمَامَهُمْ. وَإِنْ أَعَادَهُ لِغَيْرِ الْقَارِئِ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ صَاحِبِ الثَّوْبِ. فَإِنْ اسْتَوَوْا، وَلَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ أَحَقُّ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَوُوا فَالْأَوْلَى بِهِ مَنْ تُسْتَحَبُّ الْبِدَايَةُ بِإِعَارَتِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَة كَانَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَر وَلَمْ يُمَكِّنهُ السُّجُودُ عَلَى الْأَرْض إلَّا بِالتَّلَوُّثِ]
(٨٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ كَانَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ إيمَاءً وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّلَوُّثِ بِالطِّينِ وَالْبَلَلِ بِالْمَاءِ، فَلَهُ الصَّلَاةُ عَلَى دَابَّتِهِ، يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ أَيْضًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ. رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. وَفَعَلَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَمَرَ بِهِ طَاوُسٌ، وَعُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْدُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِأَجْلِ الْمَطَرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ وَالْقِيَامَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَطَرِ، كَبَقِيَّةِ أَرْكَانِهَا. وَلَنَا، مَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّهِمْ، يُومِئُونَ إيمَاءً، يَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ الْبَلْخِيّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ،
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيَّ، فَقَالَ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِأَجْلِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ. وَعَنْ مَالِكٍ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute