ثُمَّ زَنَى بِهَا، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَلَيْسَ بِشُبْهَةٍ.
وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَلَنَا فِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّ الْمِلْكَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَتْ الْإِبَاحَةُ لَمُعَارِضٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا؛ فَإِنَّ الْمُبِيحَ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بَاطِلٌ، وَالْمِلْكُ بِهِ غَيْرُ ثَابِتٍ، فَالْمُقْتَضِي مَعْدُومٌ، فَافْتَرَقَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى خَمْرًا فَشَرِبَهُ، أَوْ غُلَامًا فَوَطِئَهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ، فَقَالَ: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ. وَوَجْهُ الْأُولَى، مَا رَوَى «الْبَرَاءُ. قَالَ: لَقِيت عَمِّي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْت: إلَى أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَمَّى الْجُوزَجَانِيُّ عَمَّهُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو. وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ، فَاقْتُلُوهُ» وَرُفِعَ إلَى الْحَجَّاجِ رَجُلٌ اغْتَصَبَ أُخْتَهُ عَلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ: احْبِسُوهُ، وَسَلُوا مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَسَأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُطَرِّفٍ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ تَخَطَّى الْمُؤْمِنِينَ، فَخُطُّوا وَسَطَهُ بِالسَّيْفِ» . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَخَصُّ مَا وَرَدَ فِي الزِّنَى، فَتُقَدَّمُ. وَالْقَوْلُ فِي مَنْ زَنَى بِذَاتِ مَحْرَمِهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، كَالْقَوْلِ فِي مَنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ.
[فَصْلٌ كُلّ نِكَاح أَجْمَع عَلَى بُطْلَانِهِ هَلْ يَعْتَبِر زِنَا]
(٧١٥٩) فَصْلٌ: وَكُلُّ نِكَاحٍ أُجْمِعَ عَلَى بُطْلَانِهِ، كَنِكَاحِ خَامِسَةٍ، أَوْ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ، أَوْ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، إذَا وَطِئَ فِيهِ عَالَمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَهُوَ زِنًى، مُوجِبٌ لِلْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَا حَدَّ فِيهِ؛ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يُجْلَدُ مِائَةً، وَلَا يُنْفَى. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَرَوَى أَبُو نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ، قَالَ: رُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمَا؟ فَقَالَا: لَا. قَالَ: لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا. فَجَلَدَهُ أَسْوَاطًا، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ خِلَاسٍ، قَالَ: رُفِعَ إلَى عَلِيٍّ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ وَلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute