لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَادَّخِرُوا» . وَقَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ فَأَمَّا عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا تَرْخِيصُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانُوا سَمِعُوا النَّهْيَ، فَرَوَوْا عَلَى مَا سَمِعُوا.
[فَصْلٌ يَجُوزُ إطْعَام الْكَافِر مِنْ الْأُضْحِيَّة]
(٧٨٧٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا كَافِرًا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: غَيْرُهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إعْطَاءَ النَّصْرَانِيِّ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ طَعَامٌ لَهُ أَكْلُهُ فَجَازَ إطْعَامُهُ لِلذِّمِّيِّ، كَسَائِرِ طَعَامِهِ، وَلِأَنَّهُ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، فَجَازَ إطْعَامُهَا الذِّمِّيَّ وَالْأَسِيرَ، كَسَائِرِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. فَأَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ مِنْهَا، فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ، فَأَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ، وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا الْأُضْحِيَّة]
(٧٨٨٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرَخَّصَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فِي إعْطَائِهِ الْجِلْدَ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْجَزَّارِ أُجْرَةً عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ وَجِزَارَتِهِ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. فَأَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا.
[مَسْأَلَةٌ الِانْتِفَاع بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ]
(٧٨٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، لَا لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا، وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالذَّبْحِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبِيعُهَا، وَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْهَا. وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يَبِيعُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَالُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَجِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ يُعْطَاهُ السَّلَّاخُ؟ قَالَ: لَا. وَحَكَى قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُعْطَى الْجَازِرُ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَرَخَّصَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ فِي الْجِلْدِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَآلَةَ الْبَيْتِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَجَرَى مَجْرَى تَفْرِيقِ اللَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute