فَلَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ، كَالشَّفِيعِ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَإِنْ طَلَبَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَتَيَمَّمْ عَقِيبَهُ، جَازَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ طَلَبٍ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: إعْوَازُ الْمَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ. وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] «. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ» . فَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَمَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا ضَرُورَةَ.
[فَصْل وَجَدَ الْجُنُبُ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ]
(٣٣٦) فَصْلٌ: وَإِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ، وَهُوَ جُنُبٌ، قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ. وَبِهِ قَالَ عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ وَمَعْمَرٌ، وَنَحْوَهُ قَالَ عَطَاءٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي: يَتَيَمَّمُ، وَيَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يُطَهِّرُهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ، كَالْمُسْتَعْمَلِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] ، وَخَبَرُ أَبِي ذَرٍّ، شَرَطَ فِي التَّيَمُّمِ عَدَمَ الْمَاءِ، وَهَذَا وَاجِدٌ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «، إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ صَحِيحًا وَبَاقِيهِ جَرِيحًا؛ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الشَّرْطِ؛ فَلَزِمَهُ؛ كَالسُّتْرَةِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ صَحِيحًا، وَلَا يُسَلَّمُ الْحُكْمُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ شَيْئًا مِنْهُ بِخِلَافِ هَذَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ قَبْلَ التَّيَمُّمِ؛ لِيَتَحَقَّقَ الْإِعْوَازُ الْمُشْتَرَطُ.
[فَصْل وَجَدَ الْمُحْدِثُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاء]
(٣٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ وَجَدَ الْمُحْدِثُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجُنُبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ، فَلَزِمَهُ كَالْجُنُبِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ صَحِيحًا، وَبَعْضُهُ جَرِيحًا. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِيهَا، فَإِذَا غَسَلَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ، لَمْ يُفِدْ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَلِذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَجْزَأَهُ غَسْلُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ فَقَطْ، وَفِي الْحَدَثِ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ، وَفَارَقَ مَا إذَا كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا وَبَعْضُهُ جَرِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ بِبَعْضِ الْبَدَنِ يُخَالِفُ الْعَجْزَ بِبَعْضِ الْوَاجِبِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إذَا مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ إعْتَاقُهَا فِي كَفَّارَتِهِ، وَلَوْ مَلَكَ الْحُرُّ بَعْضَ رَقَبَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْتَاقُهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْوَجْهَيْنِ.
[فَصْل حَالَ بَيْنه وَبَيْن الْمَاءِ سَبْع أَوْ عَدُوٌّ أَوْ حَرِيقٌ أَوْ لِصٌّ]
(٣٣٨) فَصْلٌ: وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ، أَوْ عَدُوٌّ، أَوْ حَرِيقٌ، أَوْ لِصٌّ، فَهُوَ كَالْعَادِمِ. وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بِمَجْمَعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute