الْخِيَارُ بِتَصْرِيَةِ الْبَقَرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ: «لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُمَا بِخِلَافِهِمَا، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهِمَا بِالنَّصِّ، وَالْقِيَاسُ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ. وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً» . وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَلِأَنَّهُ تَصْرِيَةٌ بِلَبَنٍ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، أَشْبَهَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، وَالْخَبَرُ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَصْرِيَةِ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ نَفْعًا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ. مَمْنُوعٌ. ثُمَّ هُوَ هَاهُنَا ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى مصراتين أَوْ أَكْثَر فِي عَقَدَ وَاحِد فَرَدَّهُنَّ]
(٢٩٩٢) فَصْلٌ: إذَا اشْتَرَى مُصَرَّاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَرَدَّهُنَّ، رَدَّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْجَمِيعِ صَاعٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» . وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً ومَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً» . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ. وَلِأَنَّ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الشَّيْءِ فِي صَفْقَتَيْنِ، وَجَبَ إذَا كَانَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، كَأَرْشِ الْعَيْبِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْوَاحِدَةِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى مُصَرَّاة مِنْ غَيْر بَهِيمَة الْأَنْعَام]
(٢٩٩٣) فَصْلٌ: فَإِنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، كَالْأَمَةِ وَالْأَتَانِ وَالْفَرَسِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً ومَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً» . وَلِأَنَّهُ تَصْرِيَةٌ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِهِ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ، كَتَصْرِيَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ يُرَادُ لِلرَّضَاعِ، وَيُرَغِّبُ فِيهَا ظِئْرًا وَيُحَسِّنُ ثَدْيَهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ كَثْرَةَ لَبَنِهَا، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، مَلَكَ الْفَسْخَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَمَا ثَبَتَ بِاشْتِرَاطِهِ، وَلَا مَلَكَ الْفَسْخَ بِعَدَمِهِ. وَلِأَنَّ الْأَتَانَ وَالْفَرَسَ يُرَادَانِ لِوَلَدِهِمَا.
وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يُقْصَدُ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَكْثَرُ، وَاللَّفْظُ الْعَامُ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ فِي رَدِّهَا بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَلَا يَجِبُ فِي لَبَنِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَامًّا وَخَاصًّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُحْمَلُ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَامِّ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ الْخَاصُّ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، إذَا رَدَّهَا لَمْ يَلْزَمْ بَدَلُ لَبَنِهَا، وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ لَا يُبَاعُ عَادَةً، وَلَا يُعَاوَضُ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute