[فَصْلٌ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ افْتَقَرَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ]
(٦٨٢٥) فَصْلٌ: وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، أَوْ افْتَقَرَ، أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَوْلِ، لَمْ يَسْقُطْ الْوَاجِبُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهَ الدُّيُونَ، وَفَارَقَ مَا قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ، وَلَمْ يَسْتَمِرَّ الشَّرْطُ إلَى حِينِ الْوُجُوبِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ فَقِيرًا حَالَ الْقَتْلِ، فَاسْتَغْنَى عِنْدَ الْحَوْلِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ.
وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا مَنْ كَانَ صَبِيًّا فَبَلَغَ، أَوْ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ، عِنْدَ الْحَوْلِ، وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ حَالَةَ السَّبَبِ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ فِيهِ حَالَةَ الشَّرْطِ، كَالْكَافِرِ إذَا مَلَكَ مَالًا ثُمَّ أَسْلَمَ عِنْدَ الْحَوْلِ، لَمْ تَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ فِيهِ.
[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ]
(٦٨٢٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ، حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ، وَالصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ لِلْفَقِيرِ مَدْخَلًا فِي التَّحَمُّلِ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، فَكَانَ مِنْ الْعَاقِلَةِ كَالْغَنِيِّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَقْلِ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ بِهَا عَلَى مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَفِي إيجَابِهَا عَلَى الْفَقِيرِ تَثْقِيلٌ عَلَيْهِ، وَتَكْلِيفٌ لَهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّنَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ مَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَيُجْحِفُ بِهِ، وَتَحْمِيلُ الْفَقِيرِ شَيْئًا مِنْهَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَيُجْحِفُ بِمَالِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَالِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَرْأَةُ، فَلَا يَحْمِلُونَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّنَاصُرِ، وَلَيْسَ هُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute