للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ حِفْظَ الْمَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوصَى بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، كَالتَّصَرُّفِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِ بَعْضِهِ، لَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِهِ.

[فَصْلٌ الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ]

(٤٧٨٤) فَصْلٌ: لَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إلَى بَعْضٍ، فَيَقْبَلُونَ الْوَصِيَّةَ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إلَى عُمَرَ. وَأَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَآخَرُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ وَصِيًّا لَرَجُلٍ. وَفِي وَصِيَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنْ حَدَثَ بِي حَادِثُ الْمَوْتِ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ثُمَّ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَأَمَانَةٌ، فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيعَةَ وَالْوَكَالَةَ فِي الْحَيَاةِ. وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ تَرْكَ الدُّخُولِ فِيهَا أَوْلَى؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا، وَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى تَرْكَ الِالْتِقَاطِ، وَتَرْكُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ، تَحَرِّيًا لِلسَّلَامَةِ، وَاجْتِنَابًا لِلْخَطَرِ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: «إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، فَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ.» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

[فَصْلٌ مَاتَ رَجُلٌ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ فِي بَلَدِهِ]

(٤٧٨٥) فَصْلٌ: فَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ لَا وَصِيَّ لَهُ، وَلَا حَاكِمَ فِي بَلَدِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ لَرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، وَيَبِيعَ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ، فَإِنَّ صَالِحًا نَقَلَ عَنْهُ، فِي رَجُلٍ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، لَا قَاضِيَ بِهَا، مَاتَ وَخَلَّفَ جَوَارِيَ وَمَالًا أَتَرَى لَرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْعَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَمَّا الْمَنَافِعُ وَالْحَيَوَانُ، فَإِنْ اُضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَاضٍ، فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا الْجَوَارِي فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَلَّى بِيعَهُنَّ حَاكِمٌ مِنْ الْحُكَّامِ. وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِ الْإِمَاءِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ فَرْجٍ، وَأَجَازَ بَيْعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَة.

[فَصْلٌ أُوصَى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ مَالٍ]

(٤٧٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ مَالٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَبْوَابِ الْبِرِّ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، إنَّمَا أُمِرَ بِتَنْفِيذِهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إذَا قَالَ الْمُوصِي: جَعَلْت لَك أَنْ تَضَعَ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت، أَوْ حَيْثُ رَأَيْت. فَلَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمُوصِي. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>