الثَّانِي، الْمَنْعُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْحَيَوَانَ بِاللَّحْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ اللَّبَنِ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَحْلُوبَةَ اللَّبَنِ، جَازَ بَيْعُهَا بِمِثْلِهَا وَبِاللَّبَنِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَأَشْبَهَ الْمِلْحَ فِي الشَّيْرَجِ وَالْخُبْزِ وَالْجُبْنِ، وَحَبَّاتِ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ أَيْضًا خِلَافًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ الْمُنْفَرِدُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ لَبَنِ الشَّاةِ، جَازَ بِكُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً عَلَيْهَا تَمْرٌ بِتَمْرٍ، أَوْ بِنَخْلَةٍ عَلَيْهَا تَمْرٌ، فَفِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْبَيْعِ. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ. وَوَجْهُ الْوَجْهَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّاةِ ذَاتِ اللَّبَنِ، بِكَوْنِ الثَّمَرَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ، بِخِلَافِ اللَّبَنِ فِي الشَّاةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّ مَا يَمْنَعُ إذَا جَازَ إفْرَادُهُ يَمْنَعُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ، كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ، وَمَا لَا يَمْنَعُ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ جَازَ إفْرَادُهُ، كَمَالِ الْعَبْدِ.
[فَصْلٌ بَيْع جِنْس فِيهِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ]
(٢٨٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَ جِنْسًا فِيهِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَذَلِكَ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ يَسِيرًا، لَا يُؤَثِّرُ فِي كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، كَالْمِلْحِ فِيمَا يُعْمَلُ فِيهِ، وَحَبَّاتِ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ، فَلَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، لَمْ يَمْنَعْ لِذَلِكَ، وَلَوْ بَاعَ ذَلِكَ بِجِنْسِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ الَّذِي مَعَهُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْخُبْزَ بِالْمِلْحِ، جَازَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا، إلَّا أَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودِ، كَالْمَاءِ فِي خَلِّ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَدِبْسِ التَّمْرِ، فَهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ مِنْهُ بِمِثْلِهِ، وَيَنْزِلُ خَلْطُهُ مَنْزِلَةَ رُطُوبَتِهِ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ بِمَا يُمَاثِلُهُ، كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ خَلْطٌ، كَبَيْعِ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ، فَجَرَى مَجْرَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا بَيْعَ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ؛ لِكَوْنِ الْمَاءِ لَا يَظْهَرُ فِي الشَّيْرَجِ.
الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، كَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ، وَالْأَثْمَانِ الْمَغْشُوشَةِ بِغَيْرِهَا، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ خَلْطَهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَهُوَ يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ الْمَقْصُودِ فِيهِ، وَإِنْ بَاعِهِ بِجِنْسِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ، كَبَيْعِ الدِّينَارِ الْمَغْشُوشِ بِالْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، احْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِجِنْسٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ فِيهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فِي الْأَصْلِ.
وَإِنْ بَاعَ دِينَارًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute