للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَثَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَعْلَمَا كَوْنَهُ مُبْطِلًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَنْصُوصُ أَنَّ صَلَاتَهُمْ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى انْتِظَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةً لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَا. وَلَنَا عَلَى الْأَوَّلِ، أَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَذَا.

وَعَلَى الثَّانِي، أَنَّ طُولَ الِانْتِظَارِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَبْطَأَتْ الثَّانِيَةُ فِيمَا إذَا فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ الصَّلَاة مَغْرِبًا فِي صَلَاة الْخَوْف]

(١٤٥١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا رَكْعَةً تَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَيُصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَةً، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا رَكْعَتَيْنِ، تَقْرَأُ فِيهِمَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ فِي آخَرَ: يُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَةً، وَالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى لَيْلَةَ الْهَدِيرِ هَكَذَا، وَلِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ وَالتَّقَدُّمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَزِيدَ الثَّانِيَةُ فِي الرَّكَعَاتِ؛ لِيُجْبَرَ نَقْصُهُمْ، وَتُسَاوِيَ الْأُولَى. وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّفْضِيلِ، فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يُجْبَرُ مَا فَاتَ الثَّانِيَةَ بِإِدْرَاكِهَا السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهَا تُصَلِّي جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ، وَالْأُولَى تَفْعَلُ بَعْضَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِانْفِرَادِ، وَأَيًّا مَا فَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.

وَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ، أَوْ حِينَ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا صَلَّى بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، فَإِنَّ الطَّائِفَةَ تَقُومُ وَلَا تَتَشَهَّدُ مَعَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِتَشَهُّدِهَا، بِخِلَافِ الرُّبَاعِيَّةِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَتَشَهَّدَ مَعَهُ، لِأَنَّهَا تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَيُفْضِي إلَى أَنْ تُصَلِّيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ، وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَتَشَهَّدُ مَعَهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ تَقُومُ، كَالصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ سَوَاءً.

[فَصْل يُسْتَحَبّ أَنْ يَحْمِل السِّلَاح فِي صَلَاة الْخَوْف]

فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: ١٠٢] . وَلِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوُّهُمْ، فَيَمِيلُونَ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: ١٠٢] .

وَالْمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ. كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَلَا يُثْقِلُهُ، كَالْجَوْشَنِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ إكْمَالِ السُّجُودِ، كَالْمِغْفَرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>