للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ، فَلَا شَيْءِ لِلْمُضَارِبِ حَتَّى يُكْمِلَ عَشْرَةَ آلَافٍ، وَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبَ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ، أَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، ثُمَّ سَافَرَ الْمُضَارِبُ بِهِ، فَخَسِرَ، كَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ، مَا لَمْ تَنْجَبِرْ الْخَسَارَةُ.

[فَصْلٌ قَارَضَ الْمُضَارِب فِي مَرَضِهِ]

(٣٦٩٥) فَصْلٌ: وَإِذَا قَارَضَ فِي مَرَضِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَبْتَغِي بِهِ الْفَضْلَ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ. وَلِلْعَامِلِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى شَرْطِ، مِثْلِهِ، وَإِلَّا يَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ، فَمَا يُوجَدُ مِنْ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى الْأَجِيرَ فِي الْأَجْرِ، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِمَا حَابَاهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ.

وَلَوْ شَرَطَ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَحْتَسِبَ بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ تَخْرُجُ عَلَى مِلْكَيْهِمَا، كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ زِيَادَةٌ فِي مِلْكِهِ، خَارِجَةٌ عَنْ عَيْنِهِ، وَالرِّبْحُ لَا يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ، إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّقْلِيبِ.

[فَصْلٌ مَوْت رَبِّ الْمَالِ]

فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، قَدَّمْنَا حِصَّةَ الْعَامِلِ عَلَى غُرَمَائِهِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، فَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ، فَهُوَ كَالشَّرِيكِ بِمَالِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ دُونَ الذِّمَّةِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا، كَحَقِّ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَكَانَ أَسْبَقَ، كَحَقِّ الرَّهْنِ.

[فَصْلٌ مَاتَ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بِعَيْنِهِ]

(٣٦٩٧) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بِعَيْنِهِ، صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلِصَاحِبِهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَى الْمُضَارِبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ حَيٌّ شَيْءٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ حُدُوثُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْ هَلَكَ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِ، وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، فَكَانَ دَيْنًا كَالْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهَا، وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ وَيُخَالِفُهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ هَذَا الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ.

[مَسْأَلَةٌ تَبَيَّنَ لِلْمُضَارِبِ أَنَّ فِي يَدِهِ فَضْلًا]

(٣٦٩٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْمُضَارِبِ أَنَّ فِي يَدِهِ فَضْلًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>