للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى تَوْقِيتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَمْ يَغِيبُ الرَّجُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ؟ قَالَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يُكْتَبُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا.

وَإِنَّمَا صَارَ إلَى تَقْدِيرِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ:

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ

وَوَاللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ ... لَحُرِّك مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ

فَسَأَلَ عَنْهَا عُمَرُ فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ فُلَانَةُ، زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةً تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا فَأَقْفَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مِثْلُك يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُك. قَالَتْ: خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛ يَسِيرُونَ شَهْرًا، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةً، وَيَسِيرُونَ شَهْرًا رَاجِعِينَ

وَسُئِلَ أَحْمَدُ كَمْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغِيبَ عَنْ أَهْلِهِ؟ قَالَ: يُرْوَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقَدْ يَغِيبُ الرَّجُلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ، فَإِنْ غَابَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُرَاسِلُهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَقْدَمَ، فَسَخَ نِكَاحَهُ. وَمَنْ قَالَ: لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ إذَا تَرَكَ الْوَطْءَ وَهُوَ حَاضِرٌ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

[فَصْلٌ يُؤْجَرُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَلَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ]

(٥٧١٢) فَصْلٌ وَسُئِلَ أَحْمَدُ يُؤْجَرُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَلَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ؟ فَقَالَ: إي وَاَللَّهِ، يَحْتَسِبُ الْوَلَدَ، وَإِنْ لَمْ يُرْدِ الْوَلَدَ؟ يَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، لِمَ لَا يُؤْجَرُ؟ وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ رَوَى، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مُبَاضَعَتُك أَهْلَك صَدَقَةٌ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُصِيبُ شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى. قَالَ: أَفَتَحْتَسِبُونَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْخَيْرِ.» وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَلَدِ، وَإِعْفَافِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ، وَغَضِّ بَصَرِهِ، وَسُكُونِ نَفْسِهِ، أَوْ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ]

(٥٧١٣) فَصْلٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ إذَا قَامَ بِالْوَاجِبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ لَهُ امْرَأَتَانِ: لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي النَّفَقَةِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْكُسَى، إذَا كَانَتْ الْأُخْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>