وَصَفَهَا إنْسَانٌ، فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاصِفُ قَدْ أَخَذَهَا، اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ، وَرُدَّتْ إلَى صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ، فَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْوَاصِفِ أَوْ الدَّافِعِ إلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُلْتَقِطَ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَلَا مُقَصِّرٍ، فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ الدَّفْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَصَارَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ أَخَذَهَا كَرْهًا.
وَلَنَا أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ غَيْرِهِ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا، إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَالِكُهَا. فَأَمَّا إنْ دَفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، لَمْ يَمْلِكْ صَاحِبُهَا مُطَالَبَةَ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ. وَمَتَى ضَمِنَ الْوَاصِفُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنْهُ وَالتَّلَفَ عِنْدَهُ. فَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ تَغْرِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَمَالِكُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَمُسْتَحِقُّهَا، وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيِّنَةِ ظَلَمَهُ بِتَضْمِينِهِ، فَلَا يَرْجِعُ، بِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ، فَضَمَّنَهُ إيَّاهَا، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ بِمَا غَرِمَهُ، وَلَيْسَ لِمَالِكِهَا تَضْمِينُ الْوَاصِفِ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ إنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُلْتَقِطِ، لَا مَالُ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْعَيْنَ. فَأَمَّا إنْ وَصَفَهَا إنْسَانٌ، فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا وَادَّعَاهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا لِوَصْفِهِ إيَّاهَا، وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ فِيهَا، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعَهَا مِنْهُ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهَا لَهُ، كَسَائِرِ مَالِهِ.
[فَصْلٌ جَاءَ مُدَّعٍ لِلْقِطَّةِ فَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا أَقَامَ بَيِّنَةً]
(٤٥١٤) فَصْلٌ: وَلَوْ جَاءَ مُدَّعٍ لِلُقَطَةٍ، فَلَمْ يَصِفْهَا، وَلَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، كَالْوَدِيعَةِ، فَإِنْ دَفَعَهَا، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَزِمَ الْوَاصِفَ غَرَامَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِتَفْرِيطِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مُدَّعِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ آخِذِهَا، فَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَدَّعِيهَا فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا، فَيُغَرِّمُهُ إيَّاهَا، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَمَلَكَ أَخْذَهَا مِنْ غَاصِبِهَا، كَالْوَدِيعَةِ.
[مَسْأَلَة اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ]
(٤٥١٥) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (أَوْ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ، إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ أَوْ نَقَصَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ. وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، فَوَجَدَهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلِكِهِ. وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute