للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مُمْتَنِعًا، فَصَادَهُ أَهْلُ الدَّارِ، فَمَلَكُوهُ بِاصْطِيَادِهِمْ. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَمْلِكُوا مَا حَصَلَ فِي دَارِهِمْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا حَصَلَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْلَى. وَلِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الدَّارِ بَعْدَ الضَّرْبَةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ، الَّتِي يُمْلَكُ بِهَا الصَّيْدُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبَ إنْسَانِ، فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِهِمْ.

وَلَوْ كَانَتْ آلَةُ الصَّيْدِ، كَالشَّبَكَةِ وَالشَّرَكِ، وَالْمَنَاجِلِ، غَيْرَ مَنْصُوبَةٍ لِلصَّيْدِ، وَلَا قُصِدَ بِهَا الِاصْطِيَادُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَرْضَ الَّتِي لَيْسَتْ مُعَدَّةً لَهُ.

[فَصْلٌ مَا حُصِلَ مِنْ الصَّيْد فِي كَلْب إنْسَان أَوْ صَقْره أَوْ فَهْده وَكَانَ اسْتَرْسِلْ بِإِرْسَالِ صَاحِبه]

(٣٠٨٣) فَصْلٌ: وَمَا حَصَلَ مِنْ الصَّيْدِ فِي كَلْبِ إنْسَانٍ أَوْ صَقْرِهِ أَوْ فَهْدِهِ، وَكَانَ اسْتَرْسَلَ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الشَّبَكَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ، وَقَصْدِهِ، وَإِرْسَالِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ كَسَهْمِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّيْدِ الْحَاصِلِ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ، فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ، كَالْكَلَأِ. وَكَذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِي بَهِيمَةِ إنْسَانٍ مِنْ الْحَشِيشِ فِي الْمَرْعَى.

[مَسْأَلَةٌ الْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ مُوَكِّلَهُ]

(٣٠٨٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَالْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ فَهُوَ ضَامِنٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآمِرُ، فَيَلْزَمُهُ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، فَاشْتَرَى غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ، أَوْ بَاعَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ، أَوْ اشْتَرَى غَيْرَ مَا عُيِّنَ لَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا فَوَّتَ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَالِ الْأَمَانَةِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآمِرُ، فَيَلْزَمُهُ. يَعْنِي إذَا اشْتَرَى غَيْرَ مَا أُمِرَ بِشِرَائِهِ، بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَزِمَ الْوَكِيلَ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ. وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَيْضًا، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ حَمْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا قُلْنَا.

وَإِنَّمَا صَحَّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ، لَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَاَلَّذِي نَقَدَهُ عِوَضُهُ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ الْبَدَلُ. وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا، لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الشِّرَاءَ لَهُ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ، لَزِمَ مَنْ اشْتَرَاهُ.

(٣٠٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِ مُوَكِّلَهُ شَيْئًا بِعَيْنِ مَالِهِ، أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا، الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ رَدُّهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَالثَّانِيَةُ، الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ صَحِيحَانِ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>