للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصَابِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، فَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَقْتُ الْوُجُوبِ لَمْ يَجِبْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْوُجُوبَ ثَبَتَ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِ: إنْ تَلِفَ الْبَعْضُ. إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، وَجَبَ فِي الْبَاقِي بِقَدْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ اخْتَصَّ بِالْبَعْضِ، فَاخْتَصَّ السُّقُوطُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ نِصَابِ السَّائِمَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا. وَهَذَا فِيمَا إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَعُدْوَانِهِ.

فَأَمَّا إنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ أَوْ عُدْوَانِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، سَقَطَتْ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، فَيَضْمَنُهَا، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ تَلَفَهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، قُبِلَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخَرْصِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي قَدْرِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى.

قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَدِّ.

[فَصْلُ جَذَّهَا وَجَعَلَهَا فِي الْجَرِينِ أَوْ جَعَلَ الزَّرْعَ فِي الْبَيْدَرِ اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ]

(١٨٤١) فَصْلٌ: وَإِنْ جَذَّهَا وَجَعَلَهَا فِي الْجَرِينِ، أَوْ جَعَلَ الزَّرْعَ فِي الْبَيْدَرِ، اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَ التَّمَكُّنَ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطًا فِي اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ. فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ تَلِفَ نِصَابُ السَّائِمَةِ أَوْ الْأَثْمَانِ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فِي كَوْنِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ مُعْتَبَرًا، لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ فِيهَا حَتَّى تَجِفَّ الثَّمَرَةُ، وَيُصَفَّى الْحَبُّ، وَيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ، فَلَا يَفْعَلُ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا.

[فَصْلُ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي النِّصَابِ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَهُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَة وَغَيْرهمَا]

(١٨٤٢) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي النِّصَابِ قَبْلَ الْخَرْصِ، وَبَعْدَهُ، بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، فَصَدَقَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ ثَمَرًا أَوْ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ الثَّمَرَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ، عَلَى صَحِيحِ الْمَذْهَبِ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ الْقِيَامَ بِالثَّمَرَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ مِنْهَا ثَمَرًا، فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِبَيْعِهَا وَلَا هِبَتِهَا. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ يَوْمَ حَصَادِهِ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ عَلَيْهِ.

وَلَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، ثُمَّ بَدَا صَلَاحُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَخْلَةً مُثْمِرَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>