وَالثَّانِي، لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَهَذِهِ آلَاتٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينِ غَيْرِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْغَاصِبِ.
فَعَلَيْهِ أَجْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْمَالِكِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِي مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِ، وَمَنَافِعُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَائِدَةٌ إلَى مَالِكِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ زَرَعَ أَرْضَ إنْسَانِ، فَأَخَذَ الْمَالِكُ الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَصِدْ شَيْئًا.
[مَسْأَلَة غَصَبَ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا وَأُوَلِّدهَا]
(٣٩٦٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً، فَوَطِئَهَا، وَأَوْلَدَهَا، لَزِمَهُ الْحَدُّ، وَأَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَأَوْلَادَهَا وَمَهْرَ مِثْلِهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَهُوَ زَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا مَهْرَ لِلْمُطَاوِعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ مَعَ إكْرَاهِهَا، فَيَجِبُ مَعَ مُطَاوَعَتِهَا، كَأَجْرِ مَنَافِعِهَا، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُرَّةِ، وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْبِكْرِ يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ؛ وَلِهَذَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الثَّيِّبِ عَادَةً، لِأَجْلِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ تَفْوِيتِ الْبَكَارَةِ. وَإِنْ حَمَلَتْ، فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا وَأَجْزَائِهَا، وَلَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًى. فَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا، وَجَبَ رَدُّهُ مَعَهَا، وَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ قَبْلَ هَذَا. هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ لَوْ سَقَطَ بِضَرْبَتِهِ، وَمَا ضُمِنَ بِالْإِتْلَافِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِالتَّلَفِ فِي يَدِهِ، كَأَجْرِ الْعَيْنِ. وَالْأَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُهُ بِهِ بِالْجِنَايَةِ، فَيَضْمَنُهُ بِهِ فِي التَّلَفِ، كَالْأَجْزَاءِ. وَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا، حَصَلَ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ، كَالْأُمِّ.
فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ، ضَمِنَ نَقْصَهَا، وَلَمْ يَنْجَبِرْ بِالْوَلَدِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْجَبِرُ نَقْصُهَا بِوَلَدِهَا. وَلَنَا، أَنَّ وَلَدَهَا مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ، كَالنَّقْصِ الْحَاصِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute