فِي أَهْلِ مِصْرَ، مَا قَالُوا لِرَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقَرَأَ إمَامُهُ، وَلَمْ يَقْرَأْ هُوَ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَلِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ، كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمَسْبُوقِ، كَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ، الصَّحِيحُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ رَوَاهُ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ» وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَنْ جَابِرٍ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ. مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَابِرٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: اقْرَأْ بِهَا فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، أَوْ فِي حَالِ إسْرَارِهِ.
فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الْآخَرُ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ. كَذَلِكَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ. وَهُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ. فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْمَسْبُوقِ.
[فَصْلٌ الْمَأْمُومَ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ]
(٧٨٥) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنَّهُ - يَعْنِي الْمَأْمُومَ - قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: يَقْطَعُ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، وَيُنْصِتُ لِلْقِرَاءَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» .
[فَصْلٌ هَلْ يَسْتَفْتِح الْمَأْمُوم وَيَسْتَعِيذ فِي الصَّلَاة]
(٧٨٦) فَصْلٌ: وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ الْمَأْمُومُ وَيَسْتَعِيذُ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي حَقِّهِ قِرَاءَةٌ مَسْنُونَةٌ، وَهُوَ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُسِرُّ فِيهَا الْإِمَامُ، أَوْ الَّتِي فِيهَا سَكَتَاتٌ يُمْكِنُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ، اسْتَفْتَحَ الْمَأْمُومُ وَاسْتَعَاذَ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ أَصْلًا، فَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ، وَإِنْ سَكَتَ قَدْرًا يَتَّسِعُ لِلِافْتِتَاحِ فَحَسْبُ، اسْتَفْتَحَ وَلَمْ يَسْتَعِذْ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: سُئِلَ سُفْيَانُ أَيَسْتَعِيذُ الْإِنْسَانُ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: إنَّمَا يَسْتَعِيذُ مَنْ يَقْرَأُ.
قَالَ أَحْمَدُ: صَدَقَ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] . وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فِيهِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ قَامَ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ
[مَسْأَلَة الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَات الْإِمَامِ]
(٧٨٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ يَقْرَءُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ