الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ.
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسٌ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ حُمُولَةٌ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ، فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلِ كَالتَّطَوُّعِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرِهِمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وَلَمَّا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرو، قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ، أُعَالِجُهُ وَأُسَافِرُ عَلَيْهِ، وَأَكْرِيهِ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ - يَعْنِي رَمَضَان - وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ، وَأَنَا شَابٌّ، وَأَجِدُنِي أَنْ أَصُمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَ، فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيَّ، أَفَأَصُومُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْظَمُ لِأَجْرِي، أَمْ أُفْطِرُ؟ قَالَ: أَيَّ ذَلِكَ شِئْت يَا حَمْزَةُ» وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُكُمْ الَّذِي يُفْطِرُ فِي السَّفَرِ وَيَقْصُرُ» وَلِأَنَّ فِي الْفِطْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَكَانَ أَفْضَلِ، كَالْقَصْرِ. وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْمَرِيضِ وَبِصَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَكْرُوهِ صَوْمُهَا.
[مَسْأَلَةُ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَان مُتَفَرِّقًا وَالتَّتَابُعُ أَحْسَنُ]
(٢٠٩٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَقَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَان مُتَفَرِّقًا يُجْزِئُ، وَالْمُتَتَابِعُ أَحْسَنُ) هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مُحَيْرِيزٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَحُكِيَ وُجُوبُ التَّتَابُعِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَقَالَ دَاوُد: يَجِبُ، وَلَا يُشْتَرَطُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَان، فَلْيَسْرُدْهُ، وَلَا يَقْطَعْهُ» وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالتَّتَابُعِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: نَزَلَتْ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَات " فَسَقَطَتْ " مُتَتَابِعَات " قُلْنَا: هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا صِحَّتُهُ، وَلَوْ صَحَّ فَقَدْ سَقَطَتْ اللَّفْظَةُ الْمُحْتَجُّ بِهَا.
وَأَيْضًا قَوْلُ الصَّحَابَةِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّ سَافَرَ؛ فَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فِي قَضَاءِ رَمَضَان: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُرَخِّصْ لَكُمْ فِي فِطْرِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَلَيْكُمْ فِي قَضَائِهِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute