للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَتَصَدَّقُ بِمَالِ الْغَيْر؟

، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَى نَحْوُهَا فِيمَا إذَا لَمْ يُعَرِّفْ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ فِي حَوْلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنْ عَرَّفَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ ظَاهِرًا، لِكَوْنِ صَاحِبِهَا يَئِسَ مِنْهَا، وَتَرَكَ طَلَبَهَا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ، كَانَ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِكَوْنِ الصَّبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا وَجْهَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ، أَصَابَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، فَضَاعَتْ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرَادَ رَدَّهَا، فَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا: تَصَدَّقَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَشَرَةً، وَكَانَ يُجْحِفُ بِهِ، تَصَدَّقَ قَلِيلًا قَلِيلًا

قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الصَّبِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ وَلِيَّهُ حَتَّى يَقُومَ بِتَعْرِيفِهَا.

[فَصْلٌ وَجَدَ الْعَبْدُ لُقَطَةً]

(٤٥٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا وَجَدَ الْعَبْدُ لُقَطَةً، فَلَهُ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ الْتِقَاطُهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ أَمَانَةُ وِلَايَةٍ، فِي الثَّانِي تَمَلُّكٌ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ وَلَا الْمِلْكِ. وَلَنَا عُمُومُ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّبِيُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ، فَصَحَّ مِنْ الْعَبْدِ، كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ، صَحَّ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ، كَالْحُرِّ

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ وَالْأَمَانَاتِ. يَبْطُلُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُمَا أَدْنَى حَالًا مِنْهُ فِي هَذَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِسَيِّدِهِ، كَمَا يَحْصُلُ بِسَائِرِ الِاكْتِسَابِ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ تَخْلِيصُ مَالٍ مِنْ الْهَلَاكِ، فَجَازَ مِنْ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، كَإِنْقَاذِ الْمَالِ الْغَرِيقِ وَالْمَغْصُوبِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ لُقَطَةً كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ إتْلَافٍ، وَجَبَ ضَمَانُهَا فِي رَقَبَتِهِ، كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ، وَإِنْ عَرَّفَهَا، صَحَّ تَعْرِيفُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا، فَصَحَّ تَعْرِيفُهُ، كَالْحُرِّ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ التَّعْرِيفِ، مَلَكَهَا سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ كَسْبُ الْعَبْدِ، وَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ

وَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِلُقَطَةِ عَبْدِهِ، كَانَ لَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ، وَلِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْ يَدِهِ، فَإِذَا انْتَزَعَهَا بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهَا الْعَبْدُ مَلَكَهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعَرِّفْهَا، عَرَّفَهَا سَيِّدُهُ حَوْلًا كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ، عَرَّفَهَا السَّيِّدُ تَمَامَهُ. فَإِنْ اخْتَارَ السَّيِّدُ إقْرَارَهَا فِي يَدِ عَبْدِهِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَمِينًا جَازَ، وَكَانَ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِعَبْدِهِ فِي حِفْظِهَا، كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَمِينٍ، كَانَ السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بِإِقْرَارِهَا فِي يَدِهِ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّ بِهَا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ

وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ، فَلَهُ انْتِزَاعُ اللُّقَطَةِ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَأَكْسَابُهُ لِسَيِّدِهِ. وَمَتَى عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ، وَتَسْلِيمُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>