وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّ فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهَا. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي. فَأَمَّا إنْ دَخَلَ الثَّانِي بِهَا نَظَرْنَا؛ فَإِنْ قَدِمَ الْأَوَّلُ، فَاخْتَارَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ، وَرِثَهَا وَوَرِثَتْهُ، وَلَمْ تَرِثْ الثَّانِي وَلَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا؛ إمَّا فِي الْغَيْبَةِ، أَوْ بَعْدَ قُدُومِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَرِثَتْ الزَّوْجَ الثَّانِي وَوَرِثَهَا، وَلَمْ تَرِثْ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَتَعَذُّرَ أَحَدُهُمَا، تَعَيَّنَ الْآخَرُ. وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، خُيِّرَ، فَإِنْ اخْتَارَهَا وَرِثَهَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا وَرِثَهَا الثَّانِي. هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا عَلَى مَا أَخْتَارُهُ، فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ الثَّانِي وَلَا يَرِثُهَا بِحَالٍ، إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا عَقْدًا، أَوْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ حَيًّا، وَمَتَى عَلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ حَيًّا، وَرِثَهَا وَوَرِثَتْهُ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ تَرْكَهَا، فَتَبِينَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، إنْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَرِثَتْ الثَّانِي وَوَرِثَهَا، وَلَمْ تَرِثْ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ لَمْ نَحْكُمْ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا، وَرِثْت الْأَوَّلَ وَوَرِثَهَا، وَلَمْ تَرِثْ الثَّانِي وَلَمْ يَرِثْهَا. فَأَمَّا عِدَّتُهَا مِنْهُمَا، فَمَنْ وَرِثَتْهُ اعْتَدَّتْ لِوَفَاتِهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فِي مَوْضِعٍ لَا تَرِثُهُ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. فَعَلَى هَذَا، عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِوَفَاتِهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِوَفَاتِهِ، لَكِنْ تَعْتَدُّ مِنْ وَطْئِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ فَإِنْ مَاتَا مَعًا، اعْتَدَّتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبَدَأَتْ بِعِدَّةِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا، اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ أَوَّلًا، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي أَوَّلًا، بَدَأَتْ بِعِدَّتِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، انْقَطَعَتْ عِدَّةُ الثَّانِي، ثُمَّ ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا، أَتَمَّتْ عِدَّةَ الثَّانِي.
وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا، وَجُهِلَ وَقْتُ مَوْتِ الْآخَرِ، أَوْ جُهِلَ مَوْتُهُمَا، فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّتَيْنِ مِنْ حِينِ تَيَقَّنَتْ الْمَوْتَ، وَتَبْدَأُ بِعِدَّةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَأَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَبِوَضْعِ الْحَمْلِ تَنْقَضِي عِدَّةُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ بَعْدَهُ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيهِ]
(٦٣٥٧) فَصْلٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ، فِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يُبَاحُ لَهَا التَّزْوِيجُ بَعْدَهَا، أَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ زَوْجِهَا ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ مَاتَ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ، أَوْ فَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَفِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ، فَصَحَّ تَزْوِيجُهَا، كَمَا لَوْ عَلِمَتْ ذَلِكَ. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَقِدَةٌ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا وَبُطْلَانَهُ. وَأَصْلُ هَذَا مَنْ بَاعَ عَيْنًا فِي يَدِهِ يَعْتَقِدُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute