للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] . وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ؛ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، فَكَانَ الْحَلِفُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَالْوَسِيلَةُ تَأْخُذُ حُكْمَ الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ]

(٧٩٤٥) فَصْلٌ: وَمَتَى كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، كَانَ حَلُّهَا مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ حَلَّهَا بِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ، أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، فَحَلُّهَا مَكْرُوهٌ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ، فَحَلُّهَا مُبَاحٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ حَلُّهَا مُبَاحًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] ؟ قُلْنَا: هَذَا فِي الْأَيْمَانِ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] إلَى قَوْلِهِ: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: ٩٢] .

وَالْعَهْدُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَمَعَ الْيَمِينِ أَوْلَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] . وَلِهَذَا نَهَى عَنْ نَقْضِ الْيَمِينِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَذَمَّهُمْ عَلَيْهِ، وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَلَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا.

وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، فَحَلُّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي وَاَللَّهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا» . وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، فَحَلُّهَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ حَلَّهَا بِفِعْلِ الْوَاجِبِ، وَفِعْلُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فَلَمْ يَفْعَلْهُ]

(٧٩٤٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا، فَلَمْ يَفْعَلْهُ، أَوْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْيَمِينُ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، هِيَ الَّتِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْأَفْعَالِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْحِنْثَ مَتَى كَانَ طَاعَةً، لَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً.

وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، فَكَفَّارَتُهَا تَرْكُهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>