للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ، لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ لَهَا، فَمَا هِيَ مُضَافَةٌ إلَيْهِ بِجُمْلَتِهَا شَرْعًا أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أُمِّ سَيِّدِهِ أَوْ سَيِّدَتِهِ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ. وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَقْطَعُ وِلَايَتَهُ عَنْ أَبِيهِ وَمَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلِي مَالَهُ وَلَا نِكَاحَهُ، وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ.

[فَصْلٌ لِلِابْنِ نِكَاحُ أَمَةِ أَبِيهِ]

(٥٤٢٣) فَصْلٌ: وَلِلِابْنِ نِكَاحُ أَمَةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقَرَابَاتِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِمَمْلُوكِهِ، إذَا قُلْنَا: لَيْسَتْ الْحُرِّيَّةُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ. وَمَتَى مَاتَ الْأَبُ، فَوَرِثَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، انْفَسَخَ النِّكَاح. وَكَذَلِكَ إنْ مَلَكَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لِلْعِتْقِ، فَأَعْتَقَهَا حِينَ مَلَكَهَا، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَنَافِيَانِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، فَبِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهُ سَابِقًا عَلَى عِتْقِهَا.

وَحُكْمُ الْمُكَاتَبِ يَتَزَوَّجُ بِنْتَ سَيِّدِهِ أَوْ سَيِّدَتِهِ، حُكْمُ الْعَبْدِ، فِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ سَيِّدُهُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: النِّكَاحُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ، إنَّمَا لَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَلِأَنَّهُ لَوْ زَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ، لَمَا عَادَ بِعَجْزِهِ، كَمَا لَوْ أُعْتِقَ.

[فَصْلٌ مَلَكَتْ الْمَرْأَة زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا]

(٥٤٢٤) فَصْلٌ: وَإِذَا مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، فَمَتَى أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْفِظْ بِطَلَاقٍ صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِوُجُودِ مَا يُنَافِيه، فَأَشْبَهَ انْفِسَاخَهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ رِدَّتِهِ.

وَلَوْ مَلَكَ الرَّجُلُ بَعْضَ زَوْجَتِهِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَحَرُمَ وَطْؤُهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْمُفْتِينَ، حَتَّى يَسْتَخْلِصَهَا، فَتَحِلَّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَزِدْهُ مِلْكُهُ فِيهَا إلَّا قُرْبًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْقَى فِي بَعْضِهَا، وَمِلْكُهُ لَمْ يَتِمَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا نِكَاحَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>