الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ بِالْمَوْتِ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُشَارِكْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ، كَمَا لَوْ اقْتَسَمُوا، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ مُتَحَقِّقٌ حَالَ وُجُودِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَرِثْ، كَمَا لَوْ كَانَ رَقِيقًا فَأُعْتِقَ، أَوْ كَمَا لَوْ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ.» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، بِإِسْنَادِهِ فِي " التَّمْهِيدِ "، عَنْ زَيْدِ بْنِ قَتَادَةَ الْعَنْبَرِيِّ، أَنَّ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَوَرِثَتْهُ أُخْتِي دُونِي، وَكَانَتْ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ إنَّ جَدِّي أَسْلَمَ، وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا، فَتُوُفِّيَ، فَلَبِثْت، سَنَةً، وَكَانَ تَرَكَ مِيرَاثًا، ثُمَّ إنَّ أُخْتِي أَسْلَمَتْ، فَخَاصَمَتْنِي فِي الْمِيرَاثِ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، فَلَهُ نَصِيبُهُ، فَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ، فَذَهَبَتْ بِذَاكَ الْأَوَّلِ، وَشَارَكَتْنِي فِي هَذَا. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ فَكَانَتْ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَجَدَّدَ لَهُ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ الَّتِي نَصَبَهَا فِي حَيَاتِهِ، لَثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ، وَلَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا، لَتَعَلَّقَ ضَمَانُهُ بِتَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَجَدَّدَ حَقُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَرَثَتِهِ بِتَرِكَتِهِ، تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَحَثًّا عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ، وَتَعَيَّنَ حَقُّ كُلِّ وَارِثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي التَّرِكَةِ وَاحْتَازَهَا، كَانَ بِمَنْزِلَةِ قِسْمَتِهَا.
[فَصْلٌ كَانَ رَقِيقًا حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ فَأُعْتِقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ]
(٤٩٥٣) فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَ رَقِيقًا حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، فَأُعْتِقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، لَمْ يَرِثْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ، وَتَرَكَ أَبَاهُ عَبْدًا، فَأُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِيرَاثُهُ، فَقَالَ: لَهُ مِيرَاثُهُ. وَحُكِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، أَنَّهُمَا وَرَّثَا مَنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْمِيرَاثِ زَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ وَرَّثَ الْمُسْلِمَ، أَنْ يُوَرَّثَ الْعَبْدُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute