[فَصْل كَانَ الْقِصَاصُ لَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَتَشَاحُّوا فِي الْمُتَوَلِّي مِنْهُمْ لِلِاسْتِيفَاءِ]
(٦٦٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَشَاحُّوا فِي الْمُتَوَلِّي مِنْهُمْ لِلِاسْتِيفَاءِ، أُمِرُوا بِتَوْكِيلِ أَحَدِهِمْ، أَوْ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرهمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ جَمِيعُهُمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْجَانِي، وَتَعَدُّدِ أَفْعَالِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ، وَتَشَاحُّوا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا تَسَاوَتْ وَعَدَمُ التَّرْجِيحِ، صِرْنَا إلَى الْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ تَشَاحُّوا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، أُمِرَ الْبَاقُونَ بِتَوْكِيلِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَوْكِيلِ وَاحِدٍ، مُنِعُوا الِاسْتِيفَاءَ حَتَّى يُوَكَّلُوا.
[مَسْأَلَةٌ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرَأَتْ جِرَاحُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ]
(٦٦٦٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحُ بَرَأَتْ قَبْلَ قَتْلِهِ، فَعَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا الْقَوَدَ، فَيُقِيدُوا وَيَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ دِيَتَيْنِ) أَمَّا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرَأَتْ جِرَاحُهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ، وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلَاثَ دِيَاتٍ؛ دِيَةً لِنَفْسِهِ، وَدِيَةً لِيَدَيْهِ، وَدِيَةً لِرِجْلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ قِصَاصًا بِالْقَتْلِ، وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ لِأَطْرَافِهِ. وَإِنْ أَحَبَّ قَطَعَ أَطْرَافَهُ الْأَرْبَعَةَ، وَأَخَذَ دِيَةً لِنَفْسِهِ. وَإِنْ أَحَبَّ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ لِنَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ. وَإِنْ أَحَبَّ قَطْعَ رِجْلَيْهِ، وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ لِنَفْسِهِ وَيَدَيْهِ. وَإِنْ أَحَبَّ قَطَعَ طَرَفًا وَاحِدًا، وَأَخَذَ دِيَةَ الْبَاقِي. وَإِنْ أَحَبَّ قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَطْرَافٍ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْبَاقِي. وَكَذَلِكَ سَائِرُ فُرُوعِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ اسْتَقَرَّ قَبْلَ الْقَتْلِ بِالِانْدِمَالِ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِالْقَتْلِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا مُخَالِفًا.
(٦٦٦١) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْوَلِيُّ فِي انْدِمَالِ الْجُرْحِ قَبْلَ الْقَتْلِ، وَكَانَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَهُمَا يَسِيرَةً، لَا يَحْتَمِلُ انْدِمَالَهُ فِي مِثْلِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْبُرْءَ فِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ دِيَةِ الْيَدَيْنِ بِقَطْعِهِمَا، وَالْجَانِي يَدَّعِي سُقُوطَ دِيَتِهِمَا بِالْقَتْلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ لِلْجَانِي بَيِّنَةٌ بِبَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ضِمْنًا حَتَّى قَتَلَهُ، حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَلِيِّ بَيِّنَةٌ بِبُرْئِهِ، حُكِمَ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ تَعَارَضَتَا، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْبُرْءِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْجِرَاحَةِ، وَعَدَمُ انْدِمَالِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute